{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(١) ومضت سننه التي لا تتبدل في تأييد رسله بالآيات والمعجزات الباهرات؛ ليستيقن من أرسل إليهم بصدقه في دعوى الرسالة، ولا يختلج في قلوبهم منها ريبة وتقوم عليهم الحجة، ويلزمهم قبول ما يوحى إلى الرسل من أصول الدين وفروعه.
ولرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كثير من المعجزات الحسية والروحية، إلا أن المعجزة الكبرى التي تحدى بها قومه هي القرآن ولا تزال الحجة به قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا بد أن تكون من وراء الأسباب العادية حتى لا تنالها قوى الخلق ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وبذلك يكون بها الإيمان والاطمئنان وبها التكليف والإلزام.
ولقد تحدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قومه بأمر يعرفون طريقه ولهم بجنسه عهد، بل نبغوا فيه، وبلغوا ذروته.
أولا: تحداهم بفصاحة القرآن وبلاغته وعلو أسلوبه وإحكامه ودقة تعبيره، ولذا تكلف بعض سفهاء الأحلام منهم أن يأتوا بسور خيل إليهم أنها على نمطه وشاكلته فأضحكوا على أنفسهم العقلاء، وأما ذوي العقل والرأي منهم، فأسلموا أنفسهم إلى العجز، وأيقنوا من قرارة نفوسهم أنه الحق، وأنه من عند الله لا من كلام البشر ولكن أكثرهم يجهلون فأبوا إلا الكفر أنفة واستكبارا.
ثانيا: تحداهم بتشريعه الكامل الموافق لمقتضى العقل والفطرة،