(ولنا) قوله عليه السلام: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (١) » ، ولأنه إذا أقام بعده خرج عن أن يكون وداعا في العادة فلم يجزه، كما لو طافه قبل حل النفر، فأما إن قضى حاجة في طريقه أو اشترى زادا أو شيئا لنفسه في طريقه لم يعده؛ لأن ذلك ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت، وبهذا قال مالك والشافعي ولا نعلم مخالفا لهما.
(مسألة) قال: (فإن خرج قبل الوداع رجع إن كان بالقرب وإن بعد بعث بدم.) .
هذا قول عطاء والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور، والقريب: هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، والبعيد: من بلغ مسافة القصر، نص عليه أحمد وهو قول الشافعي، وكان عطاء يرى الطائف قريبا، وقال الثوري: حد ذلك الحرم، فمن كان في الحرم فهو قريب، ومن خرج منه فهو بعيد.
ووجه القول الأول: أن من دون مسافة القصر في حكم الحاضر في أنه لا يقصر ولا يفطر، ولذلك عددناه من حاضري المسجد الحرام، وقد روي أن عمر (رد رجلا من مر إلى مكة؛ ليكون آخر عهده بالبيت) رواه سعيد، وإن لم يمكنه الرجوع لعذر فهو كالبعيد، ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم، ولا فرق بين تركه عمدا أو خطأ لعذر أو غيره؛ لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه، والمعذور وغيره كسائر واجباته، فإن رجع البعيد فطاف للوداع. فقال القاضي: لا يسقط عنه الدم؛ لأنه قد استقر عليه الدم ببلوغه مسافة القصر
(١) صحيح البخاري الحج (١٧٥٩) ، صحيح مسلم الحج (١٣٢٧) ، سنن أبو داود المناسك (٢٠٠٢) ، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٧٠) ، مسند أحمد بن حنبل (٦/٤٣١) ، سنن الدارمي المناسك (١٩٣٢) .