للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقال: منعه حقه، كما يقال: حبسه، ولا يقتضي ذلك أن يكون أبدا محبوسا، فلما كان المشركون منعوا الهدي بديا من الوصول إلى الحرم جاز إطلاق الاسم عليهم بأنهم منعوا الهدي عن بلوغ محله وإن أطلقوا، ألا ترى أنه قد وصف المشركين بصد المسلمين عن المسجد الحرام، وإن كانوا قد أطلقوا إليهم بعد ذلك الوصول إليه في العام القابل، وقال الله عز وجل: {قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} (١) وإنما منعوه في وقت وأطلقوه في وقت آخر، فكذلك منعوا الهدي بديا، ثم لما وقع الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم أطلقوه حتى ذبحه في الحرم، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم ساق البدن؛ ليذبحها بعد الطواف بالبيت فلما منعوه من ذلك قال الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (٢) ؛ لقصوره عن الوقت المقصود فيه ذبحه، ويحتمل أن يريد به المحل المستحب فيه الذبح وهو عند المروة أو بمنى فلما منع ذلك أطلق ما فيه ما وصفت.

وقد ذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: أن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم، وأن مضرب النبي صلى الله عليه وسلم كان في الحل، ومصلاه كان في الحرم، فإذا أمكنه أن يصلي في الحرم فلا محالة قد كان الذبح ممكنا فيه، وقد روي أن ناجية بن جندب الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «ابعث معي الهدي حتى آخذ به في الشعاب والأودية فأذبحها بمكة ففعل» ، وجائز أن يكون بعث معه بعضه ونحر هو بعضه في الحرم. والله أعلم (٣) .


(١) سورة يوسف الآية ٦٣
(٢) سورة الفتح الآية ٢٥
(٣) [أحكام القرآن] للجصاص (١\ ٣٣٩ - ٣٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>