ومنها: أن عثمان لم ينكر على عبد الرحمن بن عوف طلاقه امرأته ثلاثا. ومنها: أن أبا هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر وعائشة وعبد الله بن الزبير لم ينكروا على من استفتى في طلاق الثلاث ولم يعيبوا عليه ذلك ولم يقل أحد منهم لمن استفتاه في ذلك بئس ما صنعت، وما روي من إنكار ابن عباس وغيره من الصحابة على من طلق امرأته مائة أو ألفا فإنما إنكاره لما زاد عما جعل إليه من الثلاث، وروي ما يوافق ذلك عن شريح والشعبي وغيرهما من التابعين، وقد يقال: يرد هذا ما روي عن عمر وابن عمر وابن عباس وعمران بن حصين أنهم أثموا من طلق ثلاثا، وقالوا: إنه عصى ربه، وتوعدوا من يطلق ثلاثا في مجلس واحد بالأذى، كما روي عنهم ذلك فيمن تجاوز الثلاث في طلاقه، وإذا فليس الإنكار خاصا بما زاد على الثلاث.
وأما المعنى: فإن الشرع قد جعل الطلاق إلى الزوج يمضي منه ما شاء ويبقي ما شاء، دون أن يكون عليه في ذلك حرج، كما أنه لا يحرم عليه أن يعتق ما شاء من عبيده ويتصدق بما شاء من ماله ويبقي من ذلك ما شاء، بل له أن يأتي على ذلك كله.
وأجيب: بأن الأصل فيما ذكر أنه من القربات، فله أن يفعل من ذلك ما شاء ويؤجر عليه ما لم يضر بنفسه، بخلاف الطلاق فإن الأصل فيه الحظر لما تقدم؛ ولأنه أبغض الحلال إلى الله وقد شرع على صفة معينة، فينبغي التزامها في إيقاعه.