للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس عندنا في كتب الفقه نصوص شافية في هذا الموضوع، وقد يظن ظان أن ذلك محرم لا تجيزه الشريعة التي كرمت الآدمي وحثت على إكرامه وأمرت بعدم إيذائه، ولكن العارف بروح الشريعة وما تتوخاه من المصالح وترمي إليه من الغايات - يعلم أنها توازن دائما بين المصلحة والمفسدة فتجعل الحكم لأرجحهما على ما تقتضيه الحكمة ويوجبه النظر الصحيح، فيجب إذا أن يكون نظرنا بعيدا متمشيا مع المصلحة الراجحة التي تتفق وروح الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان الكفيلة بسعادة الدنيا والآخرة.

وإذن نقول: من نظر إلى أن التشريح قد يكون ضروريا في بعض الظروف؛ كما إذا اتهم شخص بالجناية على آخر وقد يبرأ من التهمة عندما يظهر التشريع أن ذلك الآخر غير مجني عليه، وقد يجنى على رجل ثم يلقى بعد الجناية عليه في بئر بقصد إخفاء الجريمة وضياع الجناية إلى غير ذلك مما هو معروف، فضلا عما في التشريح من تقدم العلم الذي تنتفع به الإنسانية كلها وينقذ كثيرا ممن أشفى على الهلكة أو أحاطت به الآلام من كل نواحيه فهو يأتيه الموت في كل مكان وما هو بميت إلى غير ذلك مما لا داعي للإطالة فيه - نقول: من نظر إلى ذلك الإجمال وما يتبعه من التفصيل لم يسعه إلا أن يفتي بالجواز تقديما للمصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة، ومتى كان تشريح الميت بهذا القصد لم يكن إهانة له ولا منافيا لإكرامه، على أن هذا أولى بكثير فيما نراه مما قرره الفقهاء ونصوا عليه في كتبهم من أن الميت إذا ابتلع مالا شق بطنه لإخراجه منه ولو كان مالا قليلا، ويقدره بعض المالكية بنصاب السرقة، أي: ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وكلام الشافعية قريب من هذا، وربما كان الأمر عندهم أهون وأوسع في

<<  <  ج: ص:  >  >>