وإذ قال الأولون: أما ثمراتها - (غير متيقنة) فنحن نوافق عليها، ولا يمكننا إلا الاعتراف بها، ولكن الأسباب محرمة كما ذكرنا في أن الأصل في أجزاء الآدمي: التحريم، وأن استعمال الدم استعمال للدواء الخبيث، فقد أجبنا عن ذلك بأن العلة في تحريم الأجزاء إقامة حرمة الآدمي، ودفع الانتهاك الفظيع، وهذا مفقود هنا.
وأما الدم فليس عنه جواب إلا أن نقول: إن مفسدته تنغمر في مصالحه الكثيرة، وأيضا ربما ندعي أن هذا الدم الذي ينقل من بدن إلى آخر ليس من جنس الدم الخارج الخبيث المطلوب اجتنابه والبعد عنه، وإنما هذا الدم هو روح الإنسان وقوته وغذاؤه، فهو بمنزلة الأجزاء أو دونها، ولم يخرجه الإنسان رغبة عنه، وإنما هو إيثار لغيره، وبذل من قوته لقوة مخيره، وبهذا يخف خبثه في ذاته، وتلطفه في آثاره الحميدة؛ ولهذا حرم الله الدم المسفوح، وجعله خبيثا، فيدل (هذا) على أن الدماء في اللحم والعروق، وفي معدنها قبل بروزها ليست محكوما عليها بالتحريم والخبث.
فقال الأولون: هذا من الدم المسفوح، فإنه لا فرق بين استخراجه بسكين أو إبرة أو غيرها، أو ينجرح الجسد من نفسه فيخرج الدم، فكل ذلك دم مسفوح محرم خبيث، فكيف تجيزونه، ولا فرق بين سفحه لقتل الإنسان أو الحيوان، أو سفحه لأكل، أو سفحه للتداوي به، فمن فرق بين هذه الأمور فعليه الدليل.
فقال هؤلاء المجيزون: هب أنا عجزنا عن الجواب عن حل الدم المذكور فقد ذكرنا لكم عن أصول الشريعة ومصالحها ما يدل على إباحة