الجريمة خفية، وقد ينتهي الأمر بثبوت موته موتا عاديا، وفي ذلك براءة المتهم، كما أن في التشريح المرضي معرفة ما إذا كان هناك وباء، ومعرفة نوعه، فيتقى شره بوسائل الوقاية المناسبة، وفي هذا المحافظة على نفوس الأحياء والحد من أسباب الأمراض، وقد حثت الشريعة على الوقاية من الأمراض وعلى التداوي مما أصابها، وفي هذا مصلحة للأمة ومحافظة على سلامتها وإنقاذها مما يخشى أن يصيبها جريا على ما اقتضت به سنة الله شرعا وقدرا.
وفي تعريف الطلاب تركيب الجسم وأعضائه الظاهرة والأجهزة الباطنة ومواضعها وحجمها صحيحة ومريضة، وتدريبهم على ذلك عمليا وتعريفهم بإصاباتها وطرق علاجها - في هذا وغيره مما تقدم بيانه في الموضوع الثاني، وما ذكر في فتوى فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف وما ذكره الأطباء - مصالح كثيرة تعود على الأمة بالخير العميم، فإذا تعارضت مصلحة المحافظة على حرمة الميت مع هذه المصالح نظر العلماء أي المصلحتين أرجح فبني عليها الحكم منعا أو إباحة، وقد يقال: إن مصلحة الأمة في مسألتنا أرجح لكونها كلية عامة، ولكونها قطعية، كما دل على ذلك الواقع والتجربة، وهي عائدة إلى حفظ نفوس الناس وحفظها من الضروريات التي جاءت بمراعاتها وصيانتها جميع شرائع الأنبياء، وقد وجدت نظائر لمسألة التشريح بحثها فقهاء الإسلام، منها: المسائل الخمس التي تقدم ذكرها، فقد بحثوها وبينوا الحكم فيها على ما ظهر لهم، فمسألة تترس الكفار بأسرى المسلمين ونحوهم في الحرب رجح كثير منهم رمي الترس إيثارا للمصلحة العامة، وكذا رجح كثير منهم شق بطن