بالنسبة للقسمين الأول والثاني: فإن المجلس يرى: أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك، وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع: إجازة التشريح لهذين الغرضين، سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا.
وأما بالنسبة للقسم الثالث: وهو التشريح للغرض التعليمي فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها.
وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان.
وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة: فإن المجلس يرى: جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة، إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا؛ وذلك لما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كسر عظم الميت ككسره حيا (١) » . ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسر الحصول على جثث أموات غير معصومة: فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين
(١) سنن أبو داود الجنائز (٣٢٠٧) ، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٦١٦) ، مسند أحمد بن حنبل (٦/١٠٥) .