للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحلف المدعي إلا بعد الاستثبات وغلبة الظن (١) .

ج - ويمكن أن يقال: لا يلزم أن تكون اليمين على اليقين مطلقا، وتقرير ذلك أن شريعة الإسلام تبنى أحكامها على الظاهر، لا على الباطن. وعلى الظن لا على اليقين، وهذا جار في أسانيد الأدلة ودلالاتها وبقائها، وفي الجزئيات التطبيقية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبار الآحاد ظنية الثبوت، ودلالة العموم على جميع أفراده مع احتمال مخصص، ودلالة المطلق على بعض ما يتناوله مع احتمال مقيد، ودلالة النص على مقتضاه مع احتمال ناسخ، ودلالة الظاهر على معناه مع احتمال دليل صارف له عن ظاهره إلى التأويل. هذه الأمور كلها ظنية ومع ذلك يعمل بها، ولو ترك العمل بهذا الباب فقيل: لا يعمل إلا باليقينيات لتعطل كثير من مواضع تطبيق الشريعة. وأما من الناحية التطبيقية في حياته صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قضية اللعان، فبعدما انتهى المتلاعنان قال صلى الله عليه وسلم: «الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ (٢) » ثلاثا فهو صلى الله عليه وسلم قضى بمقتضى اللعان مع أن أحدهما كاذب يقينا، وهذا الاحتمال لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من إجراء الحكم على الظاهر.

د - ويمكن أن يقال أيضا: إذا حلف أنه لم يقتل ولا يعلم قاتلا فهذا يقين في الظاهر من الجهتين، فإن قوله: (لم يقتله) هذا نفي لصدور القتل منه، وقوله: (ولا يعلم له قاتلا، هذا نفي لعلمه بالقاتل ومورد النفي في الصورتين مختلف، لكن كل منهما يقين في الظاهر بحسبه، وتحقق مطابقة الظاهر للباطن لا يتوقف عليه ربط الحكم الشرعي بالظاهر وإن كان مخالفا


(١) [المغني] (٨ \ ٩١ - ٩٤) .
(٢) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٧٤٧) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (٣١٧٩) ، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٥٦) ، سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٦٧) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٢٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>