إن الله أراني أن أختار منكم خمسين رجلا فيحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، ثم يغرمون الدية قالوا: لقد قضيت فينا بالناموس، يعني: الوحي» .
وروى حنيف عن زياد بن أبي مريم قال:«جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني وجدت أخي قتيلا في بني فلان، فقال: اختر من شيوخهم خمسين رجلا فيحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، قال: وليس لي من أخي إلا هذا؟ قال: نعم، ومائة من الإبل» .
وفي الحديث: أن رجلا وجد بين وادعة وأرحب وكان إلى وادعة أقرب فقضى عليهم عمر رضي الله عنه بالقسامة والدية، فقال حارث بن الأصبع الوادعي: يا أمير المؤمنين، لا أيماننا تدفع عن أموالنا ولا أموالنا تدفع عن أيماننا، فقال: حقنتم دماءكم بأيمانكم وأغرمكم الدية لوجود القتيل بين أظهركم.
فهذه الآثار تدل على ثبوت حكم القسامة والدية في القتيل الموجود في المحلة على أهلها ونوع من المعنى يدل عليه أيضا، وهو أن الظاهر أن القاتل منهم؛ لأن الإنسان قلما يأتي من محلة إلى محلة ليقتل مختارا فيها، وإنما تمكن القاتل منهم من هذا الفعل بقوتهم ونصرتهم، فكانوا كالعاقلة، فأوجب الشرع الدية عليهم؛ صيانة لدم المقتول عن الهدر، وأوجب القسامة عليهم لرجاء أن يظهر القاتل بهذه الطريق فيتخلص غير الجاني إذا ظهر الجاني؛ ولهذا يستحلفون بالله: ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا. ثم على أهل كل محلة حفظ محلتهم عن مثل هذه الفتنة؛ لأن التدبير في محلتهم إليهم، فإنما وقعت هذه الحادثة؛ لتفريط كان منهم في الحفظ حين تغافلوا عن الأخذ على أيدي السفهاء منهم ومن غيرهم، فأوجب الشرع القسامة