فإذا كنا ندخل بيوت الله لذكر الله، وعبادة الله، فعلينا واجبٌ آخر؛ ألا وهو السعي من أجل تحصيل الرزق والإحسان إلى عباد الله بعد ذلك، فنحن ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ونحن ممن يعظمون الله، ويحسنون إلى عباد الله، ويشفقون على خلق الله، وأما أن يمد الإنسان يديه إلى غيره، فهذه النذالة، وهذا هو النقصان ولا يمكن أن يتصف المؤمن بهذا، إلا إذا وصل إلى حد الضرورة، بحيث لو لم يجد لمات، ومع ذلك فلو مات لكان عدم سؤاله أولى، لو مات وما سئل غير الله، لكان هذا خيراً له في هذه الحياة، وبعد الممات، وإذا جاع الإنسان ولم يسأل حتى مات، فلا إثم عليه، ولا حرج، نعم إذا كان عنده طعام، وما أكله حتى مات، فهو من أهل النار، أما إذا ما سئل أحداً من خلق الله وقال السؤال ذل، أنا عندما أسأل غير الله جل وعلا أضيع حق الله فقد أمرني الله أن أسأله [إذا سئلت فسأل الله] ، فكيف أصرف هذا السؤال إلى عبدٍ لا يملك لنفسه -فضلاً عن غيره- نفعاً ولا ضرا؟ ثم بعد ذلك أظلم هذا العبد، وأعتدي عليه، وأضجره، فأحب ما عند الناس من أموالهم التي اكتسبوها، وأنا عندما أحرجهم بالسؤال، وآخذ منهم هذه الأموال؛ فقد آذيتهم، وأضجرتهم، ولذلك قال الله:{وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَلَكُمْ * إِنَّ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا}(١) ، أي أن الله جل وعلا، ما أمرنا أن نتصدق بجميع أموالنا، وإذا بالغ في الطلب، وطلب منا أن نتصدق بجزءٍ كبير، بخل بذلك عددٌ كثير، إنما فرض الله نصيباً معلوماً، مقدراً يسيراً، فأنت كيف إذاً تضجر هؤلاء الناس، وتأخذ منهم ما جمعوه وما أخذوه، إن أعطوك عن طيب نفسٍ فبها ونعمة، وأما الإلحاح هذا، في حال حاجة النقص فكيف في عدم الحاجة؟ والأمر الثالث تذل نفسك أيها الإنسان، أنت عبدٌ للرحمن ما يرضى الله أن تتذلل إلا له، كيف تريق مال وجهك من أجل أن تأخذ من فلانٍ، أو من غيره، ولذلك [ما أكل أحدٌ طعاماً