تزيد بلىً في كل يوم وليلة ... وتُنسى كما تبلى وأنت حبيب
كم من إنسان يدفن حبيبا لديه ويكثر من زيارته في أول الأمر ثم يتسلى عن حبيبه بعد ذلك، كما أن البلى يسري إليك رويداً رويدا ويأكل التراب والدود بدنك، هكذا الحب يبلى من قلوب محبيك وأنت حبيب، وتنسى كما تبلى وأنت حبيب، فإذا كان هذا هو المقصود يقول الإمام مالك - عليهم جميعاً رحمة الله -: فيمتنع الإنسان عن القراءة لا لأن القراءة لا تجوز، إنما ليعتبر بحال هؤلاء وحاله الذي سيصير إليه.
ولذلك قال أئمة المالكية:(إن قرأ القرآن تسنناً فهذا لا يجوز ويمنع منه أي اعتقاد لسنية القراءة في ذلك الوقت. السنة في الزيارة كما يقول الإمام مالك: السنة أن تعتبر وإذا أردت أن تقرأ على أن هذا من شعائر الزيارة فلا ثم بعد ذلك قالوا: إن قرأ دون اعتقاد السنية فهذا جائز. وهذا أصل المذهب كما قلت، ثم جاء متأخروا المذهب كما في حاشية الدسوقي فنقل عن ابن رشد وعن أئمة المالكية المغاربة والأندلسيين أنهم أجازوا قراءة القرآن على القبور طلباً لنزول الرحمة والبركة على الأموات.
قال الإمام الدسوقي وهذا كما قلت من كتب فقه المالكية، قال: (وعلى هذا عمل المسلمين شرقاً وغرباً) أي إذا زاروا المقابر يقرءون القرآن ولا ينكر بعضهم على بعض ذلك، وأما الإمام المبجل أحمد ابن حنبل - رحمة الله ورضوانه عليه - فكان يرى ما يراه الإمام مالك في أول الأمر -رضوان الله عليهم أجمعين- من أن القراءة يمنع الإنسان منها من أجل أن يتدبر ما آل إليه حال هؤلاء الناس وما سيصير إليه عما قريب ثم لما قيل له: إن ابن عمر أوصى بذلك -رضي الله عنهم أجمعين- فرجع عن قوله.