.. وقال العابد الجأر يحيى بن معاذ – عليه رحمة العزيز الغفار –: من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله – عز وجل بغير طاعة، وانتظار الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله – عز وجل – مع الإفراط في الأمل، وقال أيضاً: الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل وعلامة التائب، إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس، عند كل همة، وكان يقول – عليه رحمة الله تعالى –: عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم طمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، هيهات، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقوالك لو خالفت هواك، وقال أيضاً: الكيس من فيه ثلاث خصال: من بادر بعمله، وتسوف بأمله، واستعد لأجله، والمغبون يوم القيامة من فيه ثلاث خصال: من قرض أيامه بالباطلات، وبسط جوارحه على الحسرات، ومات قبل إفاقته من السكرات، ومن أقواله لا يزال العبد مقروناً بالتواني ما دام على الأماني (١) .
(١) انظر القول الأول في الإحياء: (٤/١٤٠) ، وشرحه: (٩/١٦٧) ، وانظر القول الثاني والثالث في صفة الصفوة: (٤/٩٠-٩١) ، والقول الرابع في الحلية: (١٠/٥٨) ، والخامس في طبقات الصوفية للسلمي: (١١١) ، وانظر ترجمته العطرة في الكتب الثلاثة الأخيرة، وفي الرسالة القشيرية: (١/١١٣-١١٤) ، والمنتظم: (٥/١٦-١٧) ، وشذرات الذهب: (٢/٨٣٨) ، وتاريخ بغداد: (١٤/٢٠٨-٢١٢) ، والطبقات الكبرى للشعراني: (١/٩٤) ، وحالة أهل الحقيقة مع الله – عز وجل –: (٨٤) ، وكانت وفاته سنة ثمان وخمسين ومائتين – رحمه الله تعالى – ومن أقواله السديدة: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرجه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه، ومنها: يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقاً ما دام القلب بحب الدنيا متعلقاً، ومنها: الدنيا لا قدر لها عند ربنا وهي له، فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك؟ ومنها: إن الدرهم عقرب، فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه بيدك، فإنه إن لدغك قتلك، ومنها: من خان الله في السر هتك ستره في العلانية، ومن طريف ما روي عنه أنه رأى رجلاً يقلع جبلاً في يوم حار، وهو يغني، فقال: مسكين ابن آدم قلع الأحجار أهون عليه من ترك الأوزار.