واعلم – وفقك الله تعالى – أن الحديث صحيح بلا شك، فقد تقدم من صححه من أساطين العلم، وأئمته، وجهابذة المحدثين وقادته، ونص على ذلك أهل العلم من المتقدين والحديثين انظر تعليق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط على جامع الأصول: (١٠/٣٣) ، وتعليق الشيخ شعيب على شرح السنة: (١/٢١٣) ، وقول الشيخ القاري في المرقاة: (٣/١٣٧) وتحصل أن حديث افتراق الأمة صحيح من غير شك، فلا يعبأ بقول ابن حزم في الفصل: إن هذا الحديث لا يصح عن طريق الإسناد ١هـ وانظر كلام بان حزم في الفصل: (٣/١٣٨) حيث ذكر أن الحديث لا يصح أصلا ً عن طريق الإسناد، وما أراك تتوقف في رد كلام ابن حزم بعد الاطلاع على أقوال الفحول من المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الحديث، لأن ذلك من جملة انحراف ابن حزم – وشذوذه، ومن الحزم أن لا تتبع – فيما ينفرد فيه – ابن حزم، وانظر كلام ابن القيم فيه في روضة المحبين: (١٣٠) ، والشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (٤/٣٩٥) ، وقد صحح الحديث الشيخ الألباني، وأورده في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (٢٠٣، ٢٠٤) وعزا تخريجه أيضاً للآجري في الشريعة، ولابن بطة في الإبانة، واللالكائي في شرح السنة، ثم فند كلام ابن حزم، ورد عليه، لكن من العجيب قوله: وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك، وأول ما يتبادر للذهن أنه في كتابه، الفصل في الملل والنحل، وقد رجعت إليه وقلبت مظانه فلم أعثر عليه ١هـ وقد تصفح كاتب هذه الأسطر – سترنا الله تعالى – الفصل فوجد الحديث في نصف ساعة. وقد ذكر ابن كثير الحديث في تفسيره: (١/٣٩٠) ، وقال إنه رُوي من عدة طرق ١هـ وذكره الشوكاني في فتح القدير: (١/٣٧١) وعد من خرجه وصححه، ووافق على ذلك ١٠هـ وأورده ابن الوزير في الروض الباسم: (٢/١١٥) عند ذكر الأحاديث التي رواها معاوية، ونقلت عن غيره من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فذكر أن هذا الحديث روي عن غير معاوية ممن لم تطعن فيهم الشيعة، وذكره الشهرستاني في الملل والنحل: (١/١٣) ، وقال: والناجية أبداً من الفرق واحدة ١هـ، وقال الشيخ العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: (٣/٢٢٥) أسانيد الحديث جياد ١هـ وقال الشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (٢٢/٣٦٠) الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي (الكبرى) وغيرهم، وأطال في شرح الحديث وتقرير معناه بحيث أخذ ذلك خمس عشر صفحة. وانظر مجموع الفتاوى: (٣/٢٤٥-٢٥٩) ، والحديث صححه أيضاً الشاطبي في الاعتصام: (٢/١٨٩) وكتب في شرحه مائة صفحة حتى: (٢/٢٨٧) ، وصححه الفتني في تذكرته: (١٥) ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير كما في الفيض: (٢/٢٠) ، وقال المناوي: قال الزين العراقي: أسانيده جياد، وقد عده المؤلف – أي السيوطي – من المتواتر ١٠هـ وصححه السخاوي في المقاصد الحسنة: (١٥٨) ووافقه ابن الديبع في مختصره "تمييز الطيب من الخبيث": (٦٠) والعجلوني في كشف الخفا: (١/١٤٩-١٥١) ، وعده الشيخ الكتاني في كتابه نظم المتناثر: (٣٢-٣٤) من الأحاديث المتواترة. واعلم – علمني الله وإياك – أنني توسعت في تخريج الحديث لأمرين يستدعيان ذلك ويتحتم على طالب العلم الحذر منهما لئلا يضل مع من ضل وهما: ١- تضعيف ابن حزم للحديث، وتناقل كثير من المحدثين ذلك عنه، بل وزيادتهم عليه، فالأستاذ محيي الدين عبد الحميد يحكي الخلاف في صحة هذا الحديث، ويسترسل في حكاية نفي صحته مدعياً أنه ما من إسناد روي به إلا وفيه ضعف، انظر تعليقه على الفرق بين الفرق: (٧) ، وهو كلام باطل بلا شك، وأشد بطلاناً منه قول الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه مذاهب الإسلاميين: (٣٣-٣٤) الفرق الإسلامية لا تدخل تحت حصر، والمؤلفون الإسلاميون المتقدمون الذين كتبوا عن الفرق، وبخاصة من هم من أهل السنة أرادوا أن يحصروها استناداً إلى حديث موضوع، ثم بعد أن سرد الحديث المتقدم قال: ولهذا الحديث بصوره المختلفة أسانيد كثيرة استوفاها الحافظ الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف ... ومع هذا لا يمكن أن يكون الحديث صحيحاً، وهو كلام لا يستحي الإنسان من صفع قائله فضلا ً عن اشتهاء سماعه. ٢- ما قرأته في كتاب التفكير الفلسفي في الإسلام: (٩٧-١٠١) ، وسمعته مشافهة من بعض مدرسي التوحيد والملل والنحل من أن الحديث روي بلفظ: "كلها في الجنة إلا واحدة" وفي رواية: "كلها في الجنة إلا الزنادقة" وهذا يعارض الحديث المتقدم، وهذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باتفاق أئمة الحديث، ولما سمعت هذا من بعض من يدرسون الملل والنحل قلت له: أثبت صحة الحديث وخذ ما شئت، ولما شرعت في تخريج الحديث المتقدم، نشطت الكلام عليه وعلى بيان من أخرجه وصححه، وأتبعت ذلك بالكلام على الحديث الثاني الموضوع "كلها في الجنة إلا واحدة" مما لن تراه مجموعاً في كتاب والحمد لله تعالى على ما وفق وتكرم وأنعم. وانظر الحكم على وضع حديث "كلها في الجنة إلا واحدة" في الموضوعات: (١/٢٦٧-٢٦٨) – كتاب السنة وذم البدع – باب افتراق هذه الأمة – قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال علماء الصناعة، وضعه الأبرد بن الأشرس وكان وضاعاً كذاباً، وأخذه منه ياسين الزيات فقلب إسناده وخلطه، وسرقه عثمان بن عفان، أما الأبرد فقال محمد بن إسحاق بن خزيمة، كذاب وضاع، وأما ياسين فقال يحيى: ليس حديثه بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وأما عثمان فقال علماء النقل متروك الحديث لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار، وأما حفص بن عمر فقال أبو حاتم الرازي: كان كذاباً، وقال العقيلي: يحدث عن الأئمة بالبواطيل، قال المصنف – ابن الجوزي – وهذا الحديث على هذا اللفظ لا أصل له، وقد رواه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبو الدرداء، ومعاوية وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، وأبو أمامة، وواثلة، وعوف بن مالك، وعمرو بن عوف المزني قالوا فيه: "واحدة في الجنة" وهي الجماعة ١هـ وقد أقر السيوطي هذا الحكم في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: (١/٢٤٨) – كتاب السنة – ونقل عن العقيلي قوله: هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة، قال السيوطي: والحديث المعروف "واحدة في الجنة وهي الجماعة" ١هـ وأورده ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة الشنيعة: (١/٣١٠) – في كتاب السنة في الفصل الأول – مشيراً بذلك إلى أن حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع لم يخالف فيه، كما هو معلوم من اصطلاحه، وقد أشار إلى الحديث الذهبي في الميزان: (١/٧٨) في ترجمة أبرد بن أشرس، وانظره في لسان الميزان أيضاً: (١/١٢٨، ٦/٥٦) ، والميزان أيضاً: (٤/١٣٣) ، واللسان: (٢/٤٠٥) ، والميزان: (١/٦٦٢) وفي تذكرة الموضوعات: (١٥) لا أصل له، وهذه اللفظة إن قيلت فيما ذكر إسناده تدل على أن السند لا عبرة به لوجود كذاب فيه، أو وضاع كما في مقدمة المصنوع في معرفة الحديث الموضوع: (٢٠-٢١) ، وقد حكم العجلوني في كشف الخفا أيضاً: (١/٣٠٩) ، بأن الحديث لا أصل له، ونقل الكتاني في نظم المتناثر الحكم على الحديث بالكذب والوضع عن السفاريني ثم ذكر أن ابن الجوزي رواه في الموضوعات، وتبعه السيوطي في اللآلئ، وقال ابن تيمية: لا أصل له، بل هو موضوع مكذوب باتفاق أهل العلم بالحديث. والحديث قد أورده الشعراني في كشف الغمة: (١-٢٦) في باب الاعتصام بالكتاب والسنة بعد الرواية الصحيحة المتقدمة فقال: وفي رواية: "كلها في الجنة إلا واحدة" ولم يذكر إسناد ذلك، ولم يعزه إلى أحد أيضاً، وأما ما نقله العجلوني في كشف الخفاء: (١/١٥٠) نقلا ً عن الميزان للشعراني من أن الحاكم صحح الحديث باللفظ الغريب، فلم أره في المستدرك ولعله في تاريخ نيسابور ولم ينسب أحد من العلماء الذين وقفت على أقوالهم حول هذا الحديث تصحيح الحديث للحاكم غير ما نقله العجلوني عن الشعراني، وقد تقدم تخريج الحاكم للحديث من ستة طرق عن أربعة من الصحابة في كتاب الإيمان والعلم: (١/٦، ١٢٨) ، وحكم على رواية: "كلها في النار إلا واحدة" بالصحة ووافقه الذهبي، وما نقله العجلوني في المكان المتقدم أيضاً من أن ابن حجر خرج الحديث بالرواية المكذوبة في تخريج أحاديث مسند الفردوس، فهو كلام مبتور فماذا قال ابن حجر عن الحديث عند تخريجه له؟ فكتاب الفردوس لشيرويه بن شهريار الديلمي فيه من الأحاديث الموضوعة ما شاء الله تعالى، قال ابن تيمية في منهاج السنة: (٣/١٧) وهو وإن كان من طلبة الحديث ورواته، فإن الأحاديث التي جمعها، وحذف أسانيدها ونقلها من غير اعتبار لصحيحها وضعيفها وموضوعها، ولهذا كان فيه من الموضوعات أحاديث كثيرة جداً ١٠هـ والحديث المتقدم بلا شك من جملة ما في مسند الفردوس من الأحاديث الموضوعة الشنيعة المرذولة، قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم ٢٠٤، وقد حاول بعض ذوي الأهواء من المعاصرين تمشية حال هذا الحديث بهذا اللفظ الباطل: "كلها في الجنة إلا واحدة" وتضعيف الحديث الصحيح: "كلها في النار إلا واحدة"،وقد بينت وضع ذاك: "كلها في الجنة إلا واحدة"، في سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم ١٠٣٥، ولم يطبع المجلد الثالث من السلسلة المذكورة التي فيها الحديث المشار إليه مع بيان وضعه، فاغتنم ما سبق من التحرير، والحمد لله العلي الكبير.