للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند البخاري (١) من بعض الطرق: «ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود»، بواو العطف، على أنه من قول النبي - عليه السلام -.

فهذا النص يدل على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يبق من أمته في النار أحد أو أن من أخبر عنه القرآن بأنه في النار من أهل الكفر هو الذي خلد فيها.

وإذا كان الأمر هكذا فكيف يرجع فيقول: إيذن لي فيمن قال لا إله إلا الله من أمتي، فيكون الجواب أن يقال له: ليس ذلك إليك.

فإن قيل: فقد تقدم لكم أن الأنبياء أعرف بالله من أن يقدموا عليه في الشفاعة بغير إذن، فكيف يستقيم لكم ذلك؟ مع قولكم: إن محمدا - عليه السلام - سأل الشفاعة لمن لم يجعل له النظر فيهم من سائر الأمم على هذا التأويل الثاني.

فالجواب عن ذلك: أن الأنبياء الذين يسأل الناس منهم الشفاعة يوم القيامة إنما أقيموا مقام القبض فأدركتهم الهيبة (٢)، ولذلك يقولون: نفسي نفسي نفسي، ويذكرون سبب قبضهم، وذلك قولهم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب مثله بعده، ونبينا محمد - عليه السلام - أقيم مقام البسط والإدلال في ذلك اليوم، ولهذا يقول: أمتي أمتي، ولا يذكر نفسه.

ولا بسط أعظم من أن يقال له: سل تعطه واشفع تشفع، ولما أجيب بهذا القول في كل (٣) مرة شفع فيها، ترقى من ذلك إلى أن سأل الشفاعة فيمن ليس عنده إلا مجرد الكلمة إشفاقا (ق.٤٥.أ) على هذا الصنف من الخلود في


(١) رواه البخاري (٤٢٠٦ - ٦٩٧٥) عن قتادة عن أنس.
(٢) في (ب): الهبة.
(٣) في (ب): بكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>