وهكذا جاء في شرعنا أيضا، فإن الإيمان والتوبة لا ينتفع المكلف منا بهما عند المعاينة للموت في حين الغرغرة والحشرجة، وذلك كله باب مطرد، لأن معاينة الموت في هذه الشريعة يتنزل منزلة معاينة العذاب للأمم الخالية.
فإذا تقرر بما تقدم أن الإيمان لا ينفع في الدنيا عند المعاينة فكيف ينفع ذلك في الآخرة عند المعاينة التامة المحيطة بكل كشف وبيان حتى يستوي في إدراك ما هنالك جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم.
وقد أخبر الله تعالى أن الكفار لا يقبل منهم شيء في الآخرة فقال:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[المائدة: ٣٦].
وكذلك أخبر الله تعالى في المنافقين أنه لا يقبل منهم شيء، إذ ذكر مخاطبتهم للمؤمنين بقوله:{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الحديد: ١٤].
ولعلم الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان في الآخرة تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا فيها قال الله تعالى:{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنعام: ٢٧].