وأما إذا مات الكافر على كفره فلا يجوز الاستغفار له، فإنه لا يغفر له أصلا، لأنه قد سد على نفسه بالكفر باب الرحمة الموجبة للمغفرة، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[محمد: ٣٤]. فأخبر أن المغفرة لا تكون للكفار الذين ماتوا على كفرهم.
وقال تعالى في من يسر الكفر:{سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[المنافقون: ٦].
وقال تعالى:{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] فعلق المغفرة للكفار بالانتهاء عن الكفر، ولا يكون الانتهاء عن الكفر إلا بالإيمان ولابد، فرجعت المغفرة إلى أصلها الذي قررناه في أهل الإيمان.
وقد يعترض معترض هاهنا بأمرين:
أحدهما: من يعذر من أهل الفترة فلا يعذب، وهم الذين ليس عندهم توحيد ولا كفر، حسبما نذكرهم في القسم الرابع، فإنهم إذا لم يعذبوا ودخلوا الجنة فقد غفر لهم.
والثاني: إن إبراهيم - عليه السلام - استغفر لأبيه وهو مشرك فقال:{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ}[الشعراء: ٨٦]، فسأل المغفرة لأبيه مع علمه بضلاله.
والجواب عن ذلك أن نقول: أما الاعتراض بالوجه الأول فهو غير لازم، لكون الصنف المذكور من أهل الفترة غير مؤاخذين بشيء لا من جهة أن الحجة لم تقم عليهم، ولا من كونهم ليس عندهم ما عند الصنف الآخر من عبادة الأوثان واختراع الأحكام فهم غير مكلفين, وإنما كلامنا في