وإنما حملنا على هذا التقدير علمنا بأن الشرائع متفقة على أن المشرك لا يغفر له, وأن الإيمان هو الشرط في الغفران، قال الله تعالى إخبارا عن قول المسيح - عليه السلام -: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة: ٧٢]. وإذا حرم الله على المشرك الجنة وأدخله النار فهو غير مغفور له، وذلك قول عام على لسان عيسى - عليه السلام -.
وقال تعالى حكاية عن موسى - عليه السلام -: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[غافر: ٢٧]، ولا معنى للإيمان بيوم الحساب إلا أنه يوم جزاء على الكفر والإيمان بالنار والجنة.
وقد ذكر الله تعالى عن الذي آمن من قوم موسى هذا المعنى جليا فقال:{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر: ٣٨] إلى آخر الآيات، وفيها أن من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها، وأنه شرط في دخول الجنة: العمل الصالح ممن هو مؤمن، ثم قال:{و َيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}[غافر: ٤١]، ثم بين كيف دعوه إلى النار بقوله:{تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}[غافر: ٤٢] إلى آخر ما حكاه الله عنه، فأخبر أن الشرك والكفر بالله مؤد إلى النار.
وكذلك قالت سحرة فرعون:{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا}[طه: ٧٣] فرتبوا المغفرة على الإيمان.
وهذا كله يدل على أن موسى - عليه السلام - كان يصرح بذلك عندهم