للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن سجد لله طوعا وعبده مختارا لإيمانه به وإقراره بوحدانيته فقد أبدى تذلله وخضوعه، ومن عاند وجحد واستكبر عن عبادة الله فشواهد الفطرة مفصحة بتذلله، وذلك بالخلق والتصوير والاضطرار إلى العجز في الأمور والتسخير في الأحوال، والأصل في العبادة إنما هو التذلل لله والخضوع له.

ومن هذا هو (١) قول العرب: طريق معبد، إذا كان مذللا بكثرة المرور به والسلوك عليه.

وهذا القول هو أشبه من الأقاويل المتقدمة.

وقد بقي فيها قول آخر، وهو قول مجاهد وغيره.

قالوا: معنى قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] أي: ليعرفون (٢)، وهذا قول سديد، غير أنه يحتاج إلى تفصيل، فإنه إن عنى به أن يكون جميع الجن والإنس يعرفون الله تعالى لزمه من الخلف ما يلزم منه إذا حملت العبادة على فعل الطاعات للتقرب على ما تقدم، لأن الكفار لا يعرفون الله ولا يقرون بوحدانيته.

وإن عنى بقوله: "إلا ليعرفون" ما نذكره، وهو أن يكون المعنى: إلا ليعرفوا أن لهم ربا وصانعا ما لم تطرأ عليهم طوارئ تصدهم عن طريق المعرفة على ما قدمناه في قوله - عليه السلام -: «كل مولود يولد على الفطرة» فهو صحيح.


(١) في (ب): ومن هذا قول.
(٢) قاله ابن جريج كما في تفسير ابن كثير (٤/ ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>