ذلك تنظيم المدن، وهندسة الأبنية مع بعض تعديلات تسهل تطبيق الأخلاق والآداب وسائر التعاليم الإسلامية. ومنها شق الشوارع الضخمة ورصفها وتنظيفها وإنارتها. ومنها إنشاء الحدائق الجميلة في كل حيٍّ وحِلة. ومنها الاهتمام الشديد بالنظافة العامة وشؤون الوقاية الصحية من قبل الدولة , ومن قبل كل فرد من أفراد الأمة. ومنها التقيد بالأنظمة العامة في سير المركبات وسير المشاة , ومراعاة الحق والنظام لدى الركوب في المركبات العامة ولدى النزول منها , وفي كل أمر من الأمور التي يكون للناس فيها حقوق مشتركة , وذلك باحترام حق السابق , وعدم التزاحم بغية تناهب حق السبق. ومنها تنظيم أسواق البيع والشراء , وحسن التعامل فيها. ومنها الحرص على الاستفادة من كل وقت يمر في عمر الأمة أفراداً وجماعات بعمل مثمر مفيد، أو براحة تدعو إليها الضرورة، أو بمتعة مباحة تتطلبها الفطرة، أو تسلية مروحة عن النفس مجددة للنشاط، إلى غير ذلك من أمور يشهد العقل بحسنها، ولا تتنافى مع الشرع.
ولكن حينما يرى أبناؤنا وبناتنا بعض هذه المظاهر الحسنة في المدنية الأوربية تستأثر بإعجابهم، وتستهويهم وتستدرجهم، فيظنون أن كل ما فيها حسن وجميل، وأنه هو الرقي الحضاري الرفيع، ويعتبرون أن ما شهدوه من مظاهر حسنة إنما هو نموذج عن تقدم أهل هذه البلاد في كل شيء، وعندئذ ينطلقون في دروب هذه البلاد ولا بصيرة لهم، قد استولى عليهم الانبهار.
ووراء الشوارع الزجاجية اللماعة، التي تتلألأ أضواؤها من كل جانب، ويجمل فيها النظام واحترام الحقوق، أقبية ذات أضواء خافتة حمر، يستدرج إليها المبهورون، فتنزلق أقدامهم إلى كُنُف اللذات المحرمة القاتلة، فيتقلبون في أكنافها، وينفقون فيها من جيوبهم مالاً كثيراً عانى آباؤهم وذووهم جهداً جهيداً حتى جمعوه لهم، أو عانت أمتهم فقراً كثيراً حتى وفروه وقدموه إليهم، وينفقون فيها من نفوسهم ذخائر الخلق الكريم الذي توارثته الأجيال المسلمة خلال قرون، لتقدمه إليهم كنزاً ثميناً، وينفقون فيها من عقولهم أكمل ما عرفته الحضارات الإنسانية من ميراث فكري، وينفقون فيها من قلوبهم جوهرة المعرفة الخالدة التي حفظتها لهم العقيدة الإسلامية المصونة من التحريف، وينفقون فيها