وأنت خبير أن عصب القوة المادية في هذا العصر مرتبط بتقدم الاقتصاد وازدهاره، وبمقدار ما يضعف الاقتصاد العام في البلاد تضعف القوة المادية المطلوبة للأمة، التي يجب على المسلمين أن يعدوها لتواجه قوى أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر، ويعملون لهدم كل مجدٍ لهم من داخل بلادهم وخارجها.
فلا مجال في ميادين إعداد القوة بكل صورها، واستكمال شروطها التي لا تكون إلا بها، إلى نظريات الزهد والرضا بالقليل، والبعد عن مجالات التنمية والاستثمارات المختلفة.
فالزهد الصحيح يكون في أن يبذل المسلمون كل إمكانيات القوة التي وهبهم الله إياها ويملؤوا حياتهم كدحاً وعملاً، ثم يزهدوا في لذائذ الحياة وشهواتها وترفها وحب جمع المال وكنزه، ويحسنوا ضبط نفوسهم بالتقشف، ويجعلوا ثمرات كدحهم في خدمة الاقتصاد العام للمسلمين، وفي خدمة إعداد القوة التي أمرهم الله بها لمواجهة أعدائهم وأعداء دينهم.
وليس الزهد في ترك العمل واللجوء إلى البطالة والكسل، والخمول في الزوايا والتكايا، والعيش على فضلات الناس وصدقاتهم، فهذا مما لا يرضى به الإسلام بحال من الأحوال.
أما التفرغ للتعلم والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو جزء من العمل، وهكذا عرفنا موقف الإسلام من العمل.
ولكن الإسلام جعل للعمل منهجاً يقوم على أسس واضحة تضمن جلب المنافع الحقيقية المعتبرة، ودفع المضار الحقيقية، العاجلة والآجلة ضمن نظرة شاملة عميقة.
وتتنوع طبيعة العمل طبقاً لتنوع طرق الكسب التي فيها للناس منافع ومصالح، ويمكن تصنيف العمل في مجالات خمسة:
المجال الأول: مجال الاستثمارات، ويدخل في هذا المجال كل عمل يؤدي إلى استثمار واستنتاج وحدات طبيعية جديدة، كالاستثمارات الزراعية