كانت نوعاً من أنواع الرياضة البدنية البحتة، أو عملاً من الأعمال الجوفاء التي لا أثر لها في سلوك الإنسان.
ولذلك جاء في الحديث الصحيح قول الرسول:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وجاء في المأثور عن الرسول أيضاً: "ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل منها" أي: إلا ما كان منها مرافقاً لمعاني العبادة القلبية والفكرية والنفسية. وروى الدارمي بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السّهر" أي: لأن كلا من هذا الصيام وهذا القيام قد كان عملاً أجوف فارغاً من معاني العبادة الحقة، التي من شأنها أن تكون متغلغلة في داخل نفس الصائم القائم، ومؤثرة في سلوكه.
الأساس الرابع: أن من تمام الحكمة الربانية أن الله لم يترك لعباده أ، يختاروا لأنفسهم أشكال عباداتهم لربهم، ولكنه حددها لهم وفق حكمته، وأمرهم أن يتقيدوا بها، وأن لا يتجاوزوا حدودها العامة.
ولو أنه سبحانه ترك ذلك للناس لتفرقوا في تحديد أشكال العبادات، ولاختاروا منها أموراً بعيدة عن منطق الحكمة، فلربما اختار بعضهم ما فيه تعذيب شديد للأجسام والنفوس، وقد اتجه إلى مثل هذا بعض فلاسفة الهنود، ولربما اختار بعضهم ما فيه إرضاء للشهوات وإشباع للغرائز وانغماس بكل موبقة، وقد اتجه إلى مثل هذا بعض مخترعي العبادات لأنفسهم، إلى غير ذلك مما لا تقبله فلسفة الحياة القويمة.
الأساس الخامس: ولما حدّد الله للناس أشكال العبادات التي ينبغي له يعبدوه بها، اقتضت حكمه العالية أن يجعلها متنوعة على مقدار ما في الحياة من أشكال متنوعة، يمارسها الناس في أعمالهم الخاصة أو العامة، مما تدعو إليه مطالب حياتهم الفردية والاجتماعية.
ضمن هذه الأسس قامت فلسفة أشكال العبادات في الإسلام، وبذلك كانت في مركز القمة، فمن تبصر بها ورعاها لم يجد فيها مدخلاً ينفذ منه عدو إلى تشكيك.