وتعتبر مناسك الحج والعمرة صوراً رائعة من صور العبادات.
لقد عرف الناس من مظاهر إلحاح المحبين الطواف على دار المحبوب، فشرع الله لهم عبادة الطواف حول الكعبة بيت الله المقدّس، ليعلنوا في مقام عبوديتهم لله تعالى أنهم في مقام المحبين له، اللائذين بعظمته.
كما عرف الناس من مظاهر الإلحاح في الطلب الصبر في تكرار السعي لبلوغ ما يرجونه من حاجات الدنيا، فشرع الله لهم عبادة السعي ذهاباً وعوداً بين الصفا والمروة، ليلحوا في طلب عفو الله والجنة، وجعل ذلك منسكاً من مناسك الحج والعمرة.
وعرف الناس من مظاهر مطالبهم الجماعية إنشاء الأسواق والمنتديات والحفلات العامة، فشرع الله لهم عبادة الوقوف بعرفة في يوم جامع، وجعلها منسكاً من مناسك الحج.
وعرف الناس من مظاهر أفراحهم في أعيادهم ذبح الذبائح، والتوسعة على أهليهم بأكل اللحوم، فشرع الله لهم عبادة ذبائح الهدي والأضاحي، توسعة على أنفسهم وعلى أهليهم وعلى الفقراء والمساكين.
وعلى هذا القياس نلاحظ فلسفة مشروعية عبادة المبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى من مناسك الحج، وعبادة التجرد من الثياب المخيطة عند الإحرام بالحج أو العمرة للرجال، وعبادة الحلق أو التقصير عند التحلل منه.
ولن يجد المتأمل الباحث صعوبة في تدبر الحكمة من نسك رمي الجمار، الذي شرعه الإسلام، ضمن مناسك الحج.
إن هذا النسك لون من ألوان العبادة ذو معنى عميق في نفس المسلم العارف بمقاصد الشريعة الإسلامية، ذلك لأنه عمل يشعر بمدى ما بلغه المؤمن من إرغام لشياطينه التي توسوس داخل نفسه، بعد ما أدى عباداته المتنوعة لله تعالى، فهو يقهر بصيغة الرمي المادية أنواع شياطينه الثلاثة: شيطانه الذي يوسوس في فكره فيفسد عليه عقيدته، وهو أكبر شياطينه، وشيطانه الذي يوسوس في قلبه فيفسد عليه أخلاقه، إذ يحرك فيه الحقد والحسد والطمع وسائر