الله تعالى الكونية والقرآنية، والتفكير في النفس وفي الحس، كل ذلك من دلائل الإعجاز وسره.
ولقد قال سبحانه في ذلك:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا}[الإسراء: ٤١] ، أي: إنَّ التصرف لزيادة التنبيه، وكلما زاد تنبيههم بالحق وإرشادهم ازدادوا نفورًا، فزادوا كفرًا، وقال تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}[الإسراء: ٩٨] ، أي: إنَّ الله تعالى صَرَف في القرآن يضرب الأمثال وبيان الأحوال رجاء أن يؤمنوا، ولكن سبق الكفر إليهم جعلهم يأبون الإيمان بالله والخضوع له، فزادوا نفورًا عن الحقائق، كما ينفر المريض السقيم عن الدواء الناجع، والغذاء الصالح، وقال تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}[الكهف: ٤٥] ، ذكر الله تعالى أنَّه يصرِّف القرآن بذكر الأمثال والأحوال، ولكن الذين سبق الضلال إليهم يجادلون، والجدل في الحق الواضح المبين يطمس الحقائق ويطفئ النور، ويختفي نور الحق وسط الأقوال المتضاربة والأهواء المتنازعة.
وقال تعالى:{انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}[الأنعام: ٤٦] .
وقال تعالى:{انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام: ٦٥] .
وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[الأنعام: ١٠٥] ، أي: نصرِّف الآيات ليفقهوه ويدركوا الحق إنْ كانوا غير ضالين، ولم يطمس على قلوبهم، وليقولوا درست وتعلّمت، ويكذبوا أن طمس على قلوبهم ولم يؤمنوا بالحق، كما قالوا يعلمه غيره، ورد تعالى عليهم بقوله:
٧٢- وبهذه النصوص الكريمة تبيَّنَ أنَّ القرآن كان يصرف الآيات، بمعنى أنه يتضمَّن الأمر بالتوحيد والتكليفات الشرعية التي بها صلاح المجتمع وتكوين مدينة فاضلة تحترم فيها حقوق الإنسان احترامًا كاملًا، بأوجه مختلفة من البيان، من تهديد وإنذار، إلى تبشير وتوبيخ واستنكار، ودعوة إلى التأمل في خلق الله تعالى، وفي القول ومناهج التأثير، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.