للعقل، بحيث تكون أمة ذلولًا لا سيدًا مطاعًا، وما تخاذل قوم عن نصرة الحق إلَّا لأنَّ الشهوات قد استولت على نفوسهم، وصار السائد على الجماعة الهوى المطاع، والشح المتَّبَع، ولذلك نصَّ الله -سبحانه وتعالى- على أنَّ الجماعة الفاضلة هي التي تتواصى على الحق، فلا يذل صاحب حق ولا يعلو أهل الباطل، وتتواصى على الصبر، وضبط النفس، وقدعها عن أهوائها وشهواتها.
وفي القرآن السور المتوسطة التي ليست بالطوال ولا القصار، ومنها ما يقرب من الطوال، ومنها ما هو قريب من القصار، وهي مشتملة على جل مقاصد الشريعة الإسلامية في عبارة موجزة مثيرة، ولكن بوضوح، ومبينة ولكن بإيجاز.
وكأن الله -سبحانه وتعالى- بذلك التصريف في السور بين الطويل والمتوسط والقصير، وكلها في أعلى درجات البلاغة، يقدِّم مائدته الكبرى وهي القرآن للناس أجمعين، ذوى العلم الذين يتَّسع علمهم للإحاطة بالسور الطوال وما فيها من علم بالشريعة، وما فيها من علم الكون الذي لا يحيط به من دونهم، وهم أوتوا مدارك تسمو إليها، وتستخرج من كنوزها جواهر.
وأعطى الذين يشغلهم أسباب الرزق عن الإحاطة قصار السور، وفيها غناء لا قصور فيه، بل إنه كمال في كمال.
وبين هؤلاء وأولئك الذين يطلبون السور المتوسطة طولًا، وهم الشادون في العلم الذين لهم من وقتهم ما يمكنهم أكثر ممن كانت لهم قصار السور.
وقد يقول قائل: هل تقسيم القرآن إلى سور قصار وما بينها تنزيل من الله تعالى؟ ونقول في الجواب عن ذلك: إنَّ ترتيب السور بوحيٍ من الله تعالى وقد بيَّنَّا ذلك فيما أسلفنا من قول في جمع القرآن.