هذا نص القرآن الكريم في قصة جُبن اليهود وتخاذلهم على أن يدخلوا الأرض المقدَّسة التي كتب الله -سبحانه وتعالى- عليهم أن يدخلوها، ويجب أن ننبه هنا أن المراد أنَّ الله تعالى كتب عليهم أن يدخلوها، لا أنه كتبها لهم ملكًا دائمًا مستمرًّا باقيًا يطلبون بحقه، وأنَّ ذلك هو مفهوم الكتابة، ويستفاد من النص الكريم ذلك أنَّ النص الكريم ليس فيه أنه كتبها لهم، بل كتب فقط عليهم أن يدخلوها؛ إذ يقول سبحانه عن طلب موسى منهم الدخول:{يَا قَوْم ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ، فالكتابة التي فرضها الله تعالى هي الدخول وهو واجب وليس بحق، فلم يكتب لهم أرضًا، بل فرض عليهم أمرًا، بدليل عودة الضمير على الدخول المكتوب لا على الأرض.
وإن منطق الحوادث يوجب عليهم أن يدخلوها؛ ليقيموا فيها شعائر الموسوية؛ إذ إنهم خرجوا من مصر لعدم صلاحيتها لِأَنْ تقوم فيها شرائع موسى، كما لم تصلح مكة لِأَنْ تكون موطن الشرع الإسلامي إلّا عبد تحطيم الأوثان، وأن يمنع المشركون من دخولها؛ لأنهم نجس لا يدخلون المسجد الحرام بعد عامهم.
وإن دخولهم فيها كان لأجل إقامة التوراة فيها، وجعلها الحكم الذي لا ترد حكومته، وما كانت لذواتهم، فلم تكن لأنهم بنو إسرائيل، بحيث يكون الاستحقاق ذاتيًّا، أو ميراثًا يرثه الأخلاف عن الأسلاف، وقد انتهى عهد موسى، وانتهى شرعه، وحالت أحوالهم وتغيَّرت أمورهم، وليست الأرض ميراثًا يؤخذ، إنما الأمر هو الدخول لإقامة الشريعة الموسوية، وقد نُسِخَت بشريعة محمد، فصارت الخلافة النبوية إلى محمد خاتم النبيين، فقومه الذين يقيمون شرع الله هم أهلها، والذين يجب عليهم أن يدخلوها آمنين مطمئنين، فليست أرض الله ميراثًا يورَث للذوات، إنَّمَا هي مقام الشرع الناسخ لا المنسوخ.
ويلاحظ من بعد ذلك أمور ثلاثة قد أشارت إليها الآيات الكريمات:
أولها: إنَّ الاسترخاء والضعف النفسي قد أصابهم بسبب ترفهم أولًا، واستضعافهم ثانيًا، وطغيان فرعون في حكمهم ثالثًا، وبأنَّهم حرموا حب الفداء، وإذا حرم قوم حب الفداء هانت عليهم أنفسهم ورزقوا الوهن، وكذلك بنو إسرائيل، فقد خافوا من غير مخوف، وماتت فيهم النخوة، كما تدل الآيات الكريمات.