فصلة المسيح -عليه السلام- بالله من حيث الخلق والتكوين كصلته بأي مخلوق سواه، ولا يؤثر في هذه الصلة التكوينية أنه عبد ممتاز، وأنه رسول من رب العالمين، وإن كانت طريقة تكوينه أنه وُجِدَ من غير أب، فإن ذلك لا يجعله إلهًا أو ابن إله، كما قال تعالى في مقام آخر فيه إشارة إلى قصة عيسى؛ إذ قال الله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: ٥٩] .
وهنا نجد الرد على من يجعلون المسيح إلهًا، لقد نفى الدعوى من أصلها؛ إذ بَيِّنَ أن المسيح الأمين لم يكن يدَّعيها، ولا يمكن أن يدَّعيها، فقد كان هو داعيًا إلى التوحيد، نافيًا للشرك بربوبية الله، وأنه كسائر الناس مخلوق، وأن الله ربه كما هو رب الناس جميعًا، وبين سبحانه بطلان دعوى الألوهية له ولأمه بأنهما محتاجان، ويأكلان الطعام كسائر الناس، والله تعالى غنيّ لا يحتاج، وليست له صفة الحوادث من طعام وغذاء، وبيِّن ثالثًا أنه لا يضر ولا ينفع إلَّا بإذن من الله تعالى خالقه من غير أب، وأنه من بعد ذلك عبد لا يستنكف ولا يستكبر.
ونرى أن نفي التثليث وإثبات بطلانه بالدليل جاء في ضمن قصة، فكان تصريفًا في الاستدلال؛ إذ إن سوق الدليل في ضمن قصة يجعله أكثر سريانًا في النفس، وانسيابًا في أطوائها.
الحث على المعاملة الطيبة في القصص:
٨٥- وإنه مما جاء في القصص أنَّ دعوة النبيين -عليهم الصلاة وأتم السلام- جاءت للخير إلى حسن التعامل، وإصلاح الأرض، وأنَّ إصلاح الأعمال والنفوس ومنع الفساد في الأرض من أعظم المقاصد في الشرائع السماوية بعد عبادة الله تعالى والإيمان باليوم الآخر، وإذا كان ذلك في ضمن قصة استمكنت في النفس وتجهت إلى مداخلها من غير تعويق من ملاحاة جديدة، غير ما كان في عهد النبي الذي ذكرته القصة.