أمَا ترى في هذا النص القرآني الذي تتضمَّنه قصة شعيب -عليه السلام- دعوة صريحة إلى ناحية علمية تتصل بالإصلاح الاجتماعي، ومنع الفساد في الأرض، والقيام بحق الأمانة في التعامل.
وفي موضع آخر من قصة شعيب نجده يكرر الدعوة، ثم يبين سبحانه كيف تقاوم دعوة الحق بالإصرار على الشر، وكيف كان الإصرار عليه، إلى أن يديل الله تعالى بما ينزل بالعصاة، ومما يؤدي إلى فساد أخلاق الأمة، لقد قال الله تعالى حكاية لقول شعيب:{يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ، وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ، قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ، قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود: ٨٤-٨٨] .
ونرى من هذه المجاوبة أنهم يصرون على ما هم عليه، ويعدون إرشادهم إلى الحق في المعاملة تدخلًا في شئونهم المالية، وكأنهم يظنون أن شئون المال لا صلة له بالتدين، كما يجري على ألسنة بعض الذين لا يريدون بالدين الحق وقارًا، ويبين سيدنا شعيب -عليه السلام- أنه إذ ينهاهم هو أول من يتمسَّك بألَّا يفعل ما نهى عنه، إذ يقول:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} وفي ذلك إشارة إلى أن من يدعو إلى أمر يهدمه إن خالفه في عمله، وأن الاستجابة إلى الداعي إلى الخير تقتضي أن يكون الداعي مستجيبًا له، وهكذا، فإنَّ الله تعالى يأخذ على بني إسرائيل، أنهم يأمرون الناس بالبرِّ وينسون أنفسهم، فقد قال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[البقرة: ٤٤] .