٨٦- ويبين الله -سبحانه وتعالى- بطريق القصص القرآني -لأنه من تصريف البيان كما أشرنا- أنَّ مقياس الحكم العادل إدراك الحق، وألَّا يجعل القاضي أو الحاكم للهوى سلطانًا في الحكم، فإن كان الهوى كان الشطط في الحكم، ومظنَّة الوقوع في الظلم، وإن كان الحاكم لا بُدَّ أن يكون مدركًا للحق فلا بُدَّ من عنصر العلم وإبعاد الهوى.
هنا نجد القصة عن نبي الله داود -عليه السلام- تتضمَّن ثلاثة أمور في التنبيه على كل واحدة منها تنبيه إلى أمثل الطرق للوصول إلى العدل في الأحكام.
أولها: إنَّه سبق إلى الحكم من غير أن يستمع إلى كلام الخصم، فقضى لأحد الخصمين، قبل أن يستمع إلى كلام الآخر، فإن ذلك مدرجة الظلم، بل قد يكون ظلمًا.
ثانيها: إنَّه لم يكتف بالحكم في القضية المعروضة، بل عمَّم الحكم، والقضاء يكون في القضية المدروسة ولا يتجاوزها.
الأمر الثالث: وهو يفصل التفرقة بين الحكم الظالم والحكم العادل، أن الحكم العادل لا يكون بالهوى والشهوة، وأما الحكم الظالم فإنه يكون تحت سلطان الهوى والشهوة. وأن الملوك والحكام المستبدين يكون مصدر شرهم أهواؤهم، فهم يتبعون أهواءهم فيما يحكمون به، وما ينزلونه بالناس، فهم يسنون النظم تبعًا لأهوائهم ويطبقونها تبعًا لأهوائهم، ويجعلون شيعتهم تسارع إلى تنفيذ أهوائهم، ولا يفهمون المصلحة إلا تابعة لأهوائهم، فإذا نهى الله تعالى نبيه داود عن اتباع الهوى وهو خليفة