أم إنكارًا للواقع بمعنى التوبيخ، فإنَّ فيه حمل الفاعل على الإقرار بالنفي أو إثبات ما أوجب التوبيخ.
٩٥- ومن الاستفهام في القرآن ما يكون لبيان الاستحالة، وهو يقارب في معناه نفي وإنكار الوقوع إلى حدِّ أنه يكون احتمالًا غير معقول، ومن ذلك قوله تعالى:{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} بمعنى: إنَّك تخلق فيهم بصرًا يبصرون به، وأن هذا فيه استفهام إنكاري، ويه استعارة تمثيلية، فقد مثّلت حالهم بحال الأصمِّ الذي لا يسمع، أو في آذانه وقر، وبحال من فقد البصر، وأن يطلب هدايتهم كمن يطلب السمع من الأصم، أو يطلب الإبصار ممن فقد البصر، فالاستفهام لاستحالة موضوع السؤال وأنه لا يقع.
ومن ذلك أيضًا الاستفهام الذي عبَّر به القرآن عن حال الجاحدين الذين يتوهمون أن الفقراء في الدنيا لا يمكن أن يكونوا هم أول المهتدين، متوهمين أنَّ الفضل بسعة الرزق وكثرة المال لا بالتقوى والمسارعة إلى الخير، فالله تعالى يصوّر حالهم بهذا الاستفهام، فيقول -تبارك وتعالى:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[الأنعام: ٥٣] ، فالاستفهام على مقتضى نظرهم يوجب ألَّا يكون الله تعالى منَّ عليهم قبلهم، وذلك من فساد القياس؛ إذ قاسوا الفضل بمقياس المادة، ولم يقيسوه بمقياس الفضيلة والتقوى والمسارعة إلى الخير.
ومن الاستفهام الذي ينبئ عن استحالة الجواب قوله تعالى آمرًا نبيه:
{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: ٧١] فالاستفهام هنا واضح أنه ليان استحالة أن يدعو النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدعون من دون الله تعالى، وأنَّ حالهم في عقيدتهم الباطلة، كحال من يسير في بيداء، وقد استهوته الشياطين الصارخة فاندفع إلى غير هدى حتى تاه في المهمه القفر، وله أصحاب ينادونه فلا يستجيب لهم؛ لأن الباطل قد ضرب على قلبه؛ ولأن استهواء الشياطين قد غلب عليه.
ومن قبيل الاستفهام الداخل على ما لا يجوز التغيير فيه ما جاء على لسان إبراهيم -عليه السلام، وقومه يحاجُّونه يريدون أن يردّوه، فقد قال تعالى:{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي}[الأنعام: ٨٠] .
ومن الاستفهام الذي يدل على استحالة موضوعه ما ذكره -سبحانه وتعالى- من أنه يوجِّه إلى السيد المسيح عيسى -عليه السلام- يوم القيامة؛ إذ يقول سبحانه: {وَإِذْ قَالَ اللَّه