للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الاستفهام الذي للتنبيه إلى قدرة الله تعالى، وهم لا ينكرون الجواب، فيكون الاستفهام للإقرار به وتقريره قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ، كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٣١-٣٦] .

ففي الآية الأولى كانت أربعة استفهامات عن الرزق من يرزقه، وعمَّن يملك السمع والأبصار فيسلبهما إن شاء أو يبقيهما، ويردهما إن سلبهما، وسألهم عمَّن يخرج الحي من الميت ومن يدبّر الأمر، فسيقولون الله في إجابة هذه الأسئلة، فجاء الاستفهام الأخير في هذه محرّضًا على التقوى؛ إذ إنَّ التقوى كانت من نتائج إقراراهم بالإجابة الصادقة عن هذه الأسئلة التقريرة التنبيهية؛ إذ إنَّ العبادة لا تكون إلا الخالق وحده، فالمعبود الذي يستحق أن يكون إلهًا هو الخالق النافع الضار.

ونرى أنَّ الأسئلة كانت إجاباتها بالإيجاب لا بالسلب، وبَيِّنَ -سبحانه وتعالى- ما ترتَّب على الإيجاب بإقرارهم الصريح، وهو أن تمتلئ قلوبهم بتقوى الله تعالى، فلا تعبد غيره.

وجاءت الآيات بعد ذلك أسئلة، الإجابة في بعضها بالسلب؛ لأنها خاصة بما يشركون بها عبادة الله -سبحانه وتعالى- من أوثان وغيرها.

الاستفهام الأول كان عن شركائهم هل يفعلون ما قرروا أنَّ الله يفعله، ولسان حالهم أن يجيبوا بالسلب؛ لأنهم يرون أنَّهم لا يضرون ولا ينفعون، وسألهم عمَّن يبدأ الخلق ثم يعيده، ولسان حالهم يقوله: الله.

وهكذا نرى أنَّ الاستفهام في كل هذه المقامات في القرآن كان لإثارة التنبيه إلى الحقائق، وإذا انتبهت العقول اتجهت إلى طلب الحق في غير عوج بل بطريق مستقيم.

وإنِّي أحسب أنَّه بعد أن نزل القرآن وأشرب الناس مناهجه ومسالكه، كان من أجود الطرق التعليمية إثارة الانتباه بالاستفهام تنبيهًا إلى ما يوجه إلى التلاميذ من علم، فكان استفهام القرآن موضحًا أقوم المسالك للتنبيه إلى الحقائق وإثارة الأفهام إليها، وتفتيح الذهن لتدخل عليه المعاني، والحقائق العلمية.

<<  <   >  >>