للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الإطناب في ذلك يزيد قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- تثبيتًا وأنسًا، وأن القصص فوق ذلك يكون مشتملًا على مناقشة الأنبياء السابقين لأقوامهم، وأدلة التوحيد التي جاءت على ألسنتهم، وفيه بيان أحوال السابقين، وما كان يسيطر عليهم وعلى بيئاتهم.

وإنه من مواضع الإطناب الذي لا يكفي فيه الإيجاز بطلان عبادة الأوثان، ومجادلة المشركين، وردّ مطالبهم من معجزات غير القرآن، وبينات تثبيت الرسالة سواء، فإنَّ القرآن مشتمل على الكثير منه.

ومن مواضع الإطناب مناقشة أهل الكتاب، وبيان إنكارهم، وإثبات ماضيهم الذي امتد في حاضرهم.

١٣٠- ويجب أن ننبه هنا إلى أن التكرار ليس من الإطناب، وهو من الحشو إذا كان في سياق واحد، فالسياق الواحد لا يتكرر فيه المعنى، ولا يتكرر فيه اللفظ، وإذا بدا للقارئ الذي لا يمحّص المعاني والحقائق أنَّ في الكلام القرآن تكرارًا للمعنى، فإنَّ ذلك عند ذوي الفهم السليم تفكير سقيم؛ لأن تكرار المعنى له وصف آخر يؤدي فكرة جديدة، ومن ذلك قوله تعالى في وصف ميثاق بني إسرائيل الذي أخذ عليهم وأقروا به ثم أعرضوا عنه، فقد قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ، وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [البقرة: ٨٣، ٨٤] .

ولقد ادَّعى بعض الناس أن في الكلام تكرارًا في المعنى في موضعين، وإن كان اللفظ لا يتكرر، ففي الأول يقول تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} فيدَّعي بعض الناس أنَّ في النص الكريم تكرارًا؛ لأن التولي هو الإعراض، فما معنى وأنتم معرضون إلَّا أن يكون تكرارًا، وإن النظر العميق يثبت أولًا أن التولي هو الانصراف والبعد بالجسم، والإعراض هو الانصراف بالقلب، فأشبه هذا بقوله تعالى: {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء: ٨٣] وفي هذا تصوير حسي للإعراض، فهو لم يعرض بالقلب بعدم الإذعان، بل قرن المعنى النفسي بالمظهر الحسي، كذلك هنا قرن الإعراض النفسي بالمعنى الحسي لتصوير الإعراض، وجعل الحق وراءهم حسيًّا، ثم قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} حال وفيه معنى توليتم إن

<<  <   >  >>