وترى من هذا كيف كان الإيجاز المعجز، لقد أشار -سبحانه وتعالى- إلى قصة عاد وثمود وفرعون، وقد وصف طغيانهم كما وصف قوتهم في صنائعم، وصلابة أرضهم، وكل ذلك في إيجاز.
والسور القصيرة كلها في موضوع واحد، كما ترى قوله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[الكوثر: كلها] .
وكما في سورة الفيل في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}[الفيل: ١-٤] .
وإننا نرى أنَّ الجزء الأخير في ترتيب القرآن الكريم الذي اختص باشتماله على قصار السور، والذي يسهل حفظه على الناشئين الذين لا يريدون جمع القرآن في صدورهم، قد اشتمل على بيان العقيدة الإسلامية، وعلى معاندة قريش، وعلى جهود النبي -صلى الله عليه وسلم، وما لاقاه من عنت في قومه، وعلى المبادئ الاجتماعية، وفيه إجمال كامل لقصص القرآن الكريم.
هذا شأن قصار السور، وهي جزء من ثلاثين من القرآن الكريم، أمَّا الطوال والمتوسط والأقرب إلى الطول والأقرب إلى القصر فهو يشمل نحو تسعة وعشرين جزءًا من ثلاثين جزءًا من القرآن.
وإن السور المدنية أكثرها ليس من القصار، وهو يشتمل على الأحكام التفصيلية للتكليفات الشرعية، فسورة البقرة والنساء والمائدة فيها كثير من الأحكام الفقهية سواء أكانت في الأسرة أم في المعاملات المالية، أم في الزواجر الاجتماعية، أم في العلامات الدولية، وأحكام الجهاد، وفيها كل ما يتَّصل بالسلوك الإنساني الذي فرضه القرآن الكريم، وبعض التكليفات المتعلقة بالأسرة، أو المعاملات المالية، جاء في السور التي بين القصر والطول؛ كسورة الممتحنة وكسورة الطلاق.
وإنَّ السور الطويلة أو القريبة منها مع أنَّها ليست مرتَّبة على حسب النزول بالوحي، بل هي كما ذكرنا مرتبة بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوحي عن ربه؛ لأنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يأمر بوضع الآية عند نزول الوحي في موضعها من السورة التي أمر بوضعها فيها.