في نظمها، وكيف تكرَّرت الفاصلة، وهي لفظ الناس، وكيف لا ترى في فواصلها، إلا هذا الحرف "السين" الذي هو أشد الحروف صفيرًا، وأطربها موقعًا من سمع الطفل الصغير، وأبعثها لنشاطه واجتماعه، وكيف يناسب مقاطع السورة عند النطق تردد النفس في أصغر طفل يقوى على الكلام، حتى كأنَّها تجري معه، وكأنها فصلت على مقداره، وكيف تطابق هذا الأمر كله من جميع جهاته في أحرفها ونظمها ومعانيها، ثم انظر كيف يجيء ما فوقها على الوجه الذي أشرنا إليه، وكيف تمَّت الحكمة على هذا الترتيب العجيب.
وهذه السور القصار لو لم تكن في القرآن كلها أو بعضها ما نقضت شيئًا من خصائصه في الإيجاز، ولكن عسى أن يكون الأمر في حفظه على غير ما ترى إذا هي لم تكن فيه، فتبارك الله سبحانه {مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} .
ويضاف إلى هذه الحكمة فائدة أخرى، وهي تيسير القرآن، وأداء الصلاة على العامة، فإنهم لولا هذه السور الصغار لتركوا الصلاة جميعًا، وأنه لا تصح الصلاة -أي كاملة- إلا بآيات مع الفاتحة، وقد أعانت الصغار ويسرت عليهم فكانت على قلتها معجزة اجتماعية كبرى" انتهى كلام الرافعي.
١٣٧- وإذا كانت ثمَّة سور طوال وأخرى قصار، فإنه يجب علينا أن نلتفت إلى أن هناك آيات تطول وآيات تقصر، مع أنَّ الإيجاز والإطناب يكون في طوال الآيات وقصير، ففي أثناء الآية الطويلة تقرأ قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] وهي كلمات ذات معانٍ غزيرة، فيها حكمة شرع الله وغايته، وتكليفاته، وأنها تتجه إلى التيسير ولا تتجه إلى التعسير.
وأكثر الآيات الطوال تكون في الأحكام التكليفية التي تحتاج إلى التوضيح، ولا يكتفي فيها بالإجمال بدل التفصيل؛ كآية المحرمات في قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ.....} إلى قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء: ٢٤] .