للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إطناب فيها فضلًا عن التطويل، والطول للآية يعطيها ألفاظًا كثيرة ومعاني كثيرة، ربما تكون أكثر من الألفاظ.

وإنَّ الطول لا يبعد عن حلاوة النغم، وجمال النسق، وحسن النظم، وحلاوته، ومن الآيات ما يكون قصيرًا كما ذكرنا، والفواصل متآخية، والمعاني متكاملة. اقرأ قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه: ٨٣-٨٧] .

وترى أن هذه الآيات بعضها قصار، والأخير كان منها طويلًا نسبيًّا؛ لأن فيها عتابًا، وطبيعة العتاب لا يكون قصيرًا، ولا يكون بالإشارة.

واقرأ قوله تعالى في هذه السورة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا، يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: ١٠٥- ١١١] .

وإننا نجد في الظاهرة القرآنية العالية أنَّ الآيات القصار تختص عن غيرها بأنَّ لها خاصة وهي الاعتبار والوقوف عند فواصلها المقاربة غير المتباعدة، فتكون وقفة يقضي السكون عندها، فالجواب عن حال الجبال وهي أوتاد الأرض وبها تتماسك بأمر الله تعالى، بأنَّ الله تعالى ينسفها نسفًا، وفي هذه الوقفة الصامتة بتدبر أمر الله في نسف الجبال، ليس بها علوّ بتضاريس، ولا انخفاض بجوار علوّ، وهكذا تتبع الآيات القصير، والوقوف عند آخر كل آية، وكأن الله -سبحانه وتعالى- يدعوك إلى أن تقف لتتدبر وتتفكر، وتعرف مآلك، وأنه لا غرابة في أن تعاد الأجسام يوم البعث والنشور.

وإن الآيات الطوال تكون في موضوع يحتاج إلى التدبر في أوله وآخره، وأخذه جميعًا، كما رأينا في آيات الأحكام، وفي بعض القصص الذي يكون التدبر في مجموعه لا في آحاده، وفيه يتلاحق آخره بأوله، كما رأينا في النعم التي أفاض الله بها على بني إسرائيل، وكيف لاقوها بالكفران والعتو عتوًا كبيرًا.

<<  <   >  >>