للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا هو النص الكريم، وفيه مقابلة بين المعبود بحقٍّ وهو الله -سبحانه وتعالى- خالق السماوات، وهم يؤمنون بأنَّ الله وحده خالق السماوات والأرض: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] وهم يعلمون أن الأحجار التي يعبدونها صنعت بأيديهم ولم تخلق شيئًا، فالقرآن من هذه المقابلة يأتي بدليل يلزمهم ويفحمهم أو يقنعهم إن استقامت القلوب، وإن الدليل بالتقابل يصح أن يكون عندما ادعيت الألوهية للخالق جلت قدرته مع المخلوق المصنوع بأيدي العباد، وبالمقابلة بينهما نجد الخالق يحتاج إليه كل ما في الوجود، والمصنوع بأيدي العباد لا ينفع ولا يضر، فالله وحده هو الإله الحق الذي لا يعبد سواه؛ لأنه لا يحتاج لأحد ويحتاج إليه كل أحد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ١-٤] .

ومن المقابلة التي كانت ينبوعًا للاستدلال قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: ١٦] .

وأن هذا الاستدلال قائم على المقابلة، فكانت المقابلة من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ومن هو القهار القادر على كل شيء وهو الواحد الأحد الذي لا يشبهه أحد، وكأن المقابلة بين الأعمى والبصير، ويشمل الأعمى من لا يدرك الحقائق، والبصير من يدركها، وبين الظلمة التي تعتم النفس، والنور الذي يشرق به القلب، ومن يخلق ومن لا يخلق، وهذه المقابلات ينابيع الإدراك الموجه المسترشد، والظلام المعتم المحير.

وإن هذه المقابلات تصلح دليلًا مثبتًا في عدة دعاوى، ويكون ف المقابلات الحكم الفصل الهادي المرشد.

ففي الدعوى الأولى ادِّعَاء المساواة بين من يملك كل شيء ومن لا يملك لنفسه النفع والضر، والحكم الذي ينتجه الدليل أنهما ليسا متساويين، وإذا كانت دعوى المساواة في الألوهية باطلة، فالحكم بالنفي، والإله هو الله وحده الذي يملك كل شيء، وفي الدعوى الثانية نفي التسوية بين من أدرك الحق واهتدى، ومن ضلَّ وغوى، والأخير كالأعمى، والأول كالبصير، فأيهما يهتدي إلى الطريق السوي، ولا شك أن الحكم أن الخير في المبصر المهتدي، وليس في الضال المرتدي، فالفضل لأهل التقوى ولو كانوا ضعفاء يستضعفهم الناس.

<<  <   >  >>