للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإننا نجد في سياق هذا النص القرآني الكريم أنَّ السبب الذي برّر أمر الله تعالى بالقتال أمران: أحدهما الاعتداء، وثانيهما فتنة المؤمنين في دينهم، فإذا زال الأمران لا يكون ثمَّة مبرر للقتال، ثم هذا الاعتداء، وتلك الفتنة دليل الوجوب، وكذلك نجد الأمر في الإذن بالقتال؛ إذ كان دليله هو الاعتداء، ولذلك قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: ٣٩: ٤١] .

ونرى في هذه الآيات الكريمة أنَّ العلة الموجبة هي الاعتداء وإخراج المؤمنين مفتونين في أنفسهم وأموالهم، ثم قامت المعلولات الغائبة المترتبة على السكوت، وعدم دفع المعتدين أن يعمّ الفساد ويسود الشرّ، فلولا هذا الدفاع لفسدت الأرض، ولهدمت المعابد، ولم تقم الشعائر، فاتخذ من هذه النتائج المترتبة على ترك المشركين يعيثون مبررة لمقاومتهم، وموجبة لحربهم، فكان هذا من قبيل الاستدلال بالنتائج وهي الغايات الواقعية دليلًا على الوجوب، وإن هذه الآيات الكريمات صور سامية لما سنَّه الإسلام من سنة تتفق مع الطبيعة الإنسانية، وهي إزالة الشر بالعقاب الشديد ومقاومته؛ لأن الفضيلة في الإسلام ليست سلبية، ولكنها إيجابية. بيِّنَ سبحانه على السبيل الإيجابي لردِّ الرذيلة ودفع شرها ومقاومته، فكان الاعتداء على الفضيلة سببًا موجبًا للتال، والقتال في سبيلها جهاد مثوب.

٥- المقابلة:

١٤٧- إن المقابلة بين شيئين أو أمرين، أو شخصين تكون ليعرف أيهما المؤثر في عمل معين، وإذا ثبت أنَّ التأثير لواحد منهما كان له فضل التقديم على غيره، وقد كان ذلك النوع من ينابيع الاستدلال كثيرًا في القرآن الكريم؛ لأنَّ المشركين كانوا يعبدون أحجارًا يصنعونها أو مخلوقات لله تعالى خلقها، وكانوا يعتقدون أن لها تأثيرًا في الإيجاد، أو في الشر يمنع، أو الخير يجلب، فكانت المقابلة بين الذات العلية وبين ما ابتدعوا من عبادة الأوثان ينبوعًا للاستدلال على بطلان ما زعموا، ومن ذلك قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١٧، ١٨] .

<<  <   >  >>