للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى، مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٤٩-٥٥] .

ونرى من هذه القضية العامَّة الكاملة التي تذكر بجوار الله -سبحانه وتعالى، وهي التي بها يعرف الله -سبحانه وتعالى- الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وهو الهادي، فقال سبحانه كلمة جامعة كاشفة لمعنى الربوبية، ومع الربوبية العبادة، وكمال الألوهية، فقال الله تعالى على لسان موسى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} ، فهو -سبحانه وتعالى- مانح كل شيء في هذا الكون الوجود، وهو مانح الهداية لمن اهتدى.

ثم أخذ القرآن الكريم بعد هذا التعميم الجامع بين جزئيات داخلة في هذا، وذكر من بعد هذه الجزئيات ما ينبه فرعون وأهل مصر وهم أهل زرع وضرع وختم النص الكريم بما يناسبهم، وهو نعمة للجميع: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} .

٤- العلة والمعلول:

١٤٦- أساس الاستدلال الربط بين القضايا التي تصوّر أجزاء الحقائق في هذا الوجود، بأن يكون وجود بعض الأشياء علة لوجود شيء آخر، وبمقدار قوة الارتباط تكون قوة الاستدلال، وذلك بأن يكون أحدهما علة للآخر، وإذا وجدت العلة كان المعلول ثمرة لوجودها، وهما متلازمان من الناحية العقلية، أو على حسب مجرى الأمور، وإا ذكر المعلول كان كاشفًا لعلته؛ لأن ذكر النتائج مع إحدى المقدمتين لدليل يدل على المقدمة الثانية، ولأن المقدمات تطوى فيها، فإذا ذكر تحريم الخمر، وحاول العقل أن يتعرّف سبب التحريم يستطيع تكشفه من أوصاف الخمر، فإذا عرف الوصف المناسب للتحريم استيقن أنه السبب، وهو يكون وصفًا لا يشاركها فيه غيره من المباحات، وفي القرآن كثير، يكون فيه التعليل جزءًا من الدليل الذي يسوقه القرآن الكريم بتنزيل من العزيز الحكيم، ولنتل آية إباحة القتال، فإن فيها السبب الذي يبرره، والدليل الذي يوجبه، اتل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٩٠-١٩٣] .

<<  <   >  >>