ونجد من هذه المقابلات بين إنشاء الخالق وعجز الإنسان ما يدل على أنه هو الذي خلق فهدى، وأنه العليم بما خلق، وأنه بهذا المستحق للعبادة وحده، وأنه ليس كمثله شيء وأنه الواحد الأحد.
٦- الاستدلال بالتشبيه والأمثال:
١٤٨- من ينابيع الاستدلال في القرآن التي تثبت قدرة الله تعالى، وصدق ما يطلب الدين الحق، وما أتى به القرآن -التشبيه وضرب الأمثال، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه يضرب الأمثال ويبيِّن الحقائق عن طريقه، وضرب الأمثال باب من أبواب التشبهي، وهي تضرب كما ذكرنا في باب التشبيه للغائب لتقريب الحقائق ولتشبيه الغائب غير المحسوس بما يقربه من القريب المحسوس، ولتوضيح المعاني الكليّة بالمشاهد الجزئية، وللاستدلال بحال الحاضر على الغائب.
ومن ذلك قوله تعالى الذي ذكر فيه أنَّ المثل يكون لبيان الحقائق، سواء أكان بالصغير أم كان بالكبير، فقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}[البقرة: ٢٦] .
وفي هذا النص يثبت الله تعالى أنه سبحانه يقرّب الحقائق الثابتة بالأمثال، ويأتي بالدليل من بيان الأشياء، واستخراج خواصها، والإثبات بالأدلة عن طريقها، وأن الناس في تلقي هذه الأدلة فريقان: فريق آتاه الله قلبًا نيّرًا يصغي إلى الحق ويأخذ به، ومنهم من أصاب العناد قلبه، فإذا قوي الدليل فإنه يزيد إصرارًا وإمعانًا في الضلال، فيوغل فيه، وهذا معنى قوله تعالى:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} .
فهذا النص يفيد أنَّ الله تعالى في القرآن الكريم يتخذ من الأمثال تبيينًا للحقائق، وتثبيتًا، وإقامة للدليل بها.
واقرأ قوله تعالى في بيان عجز الأصنام ومن يعبدونها العجز المطلق وقدرته تعالى على كل شيء، فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: ٧٣، ٧٤] .
انظر إلى الديل القاطع الذي يثبت بطلان الوثنية، ويقيم الدليل على الوحدانية، فإن الأوثان ومن يتبعونها ولو تضافرت كل القوى معها لا يمكن أن يخلقوا ذبابًا