حسنًا، إن التسوية غير معقولة بين من له مال يعطي منه غيره، أو ينفق منه في الخير سرًّا وجهرًا، وبين المملوك الذي لا مال له، إذا كانت التسوية غير معقولة، فتسوية أولئك المشركين بين الأحجار التي لا تضرّ ولا تنفع في عبادتها مع الله تعالى الرزاق ذي القوة المتين، المالك لكل شيء، الذي له ملك السماوات والأرض، أبعد عن كل معقول، وذلك برهان على بطلان الشرك كله، سواء أكان إشراك حيوان أو إنسان أم كان إشراك حجر.
وثاني المثلين أنَّ الله يضرب مثلًا برجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء، وهو كَلٌّ على مالكه أو ذي قرابة له يتولَّى أمره، ولا يتجه إلى جهة ويأتي فيها بخير، بل إن الطرقات مسدودة أمامه من جوارحه المئوفة الناقصة، فهل يستوي مع رجل موهوب في عقله وخلقه، وكيانه الإنساني والنفسي، يسلك الصراط المستقيم، يأمر بالعدل، ولا يحيد عن سبيله، فهما إذن بالبداهة لا يستويان.
وإذا كان هذان الرجلان لا يستويان بداهة، فأولى ألَّا تتساوى في العبادة الأحجار مع خالق الكون، وهادي الخلق، ومانح النعم ومجريها رب العالمين.
ومن الأمثلة التي تدل على أنّ العبادة الخالصة لا تكون إلَّا لله تعالى وحده، وأنها بغير ذلك لا تكون عبادة، قوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٢٩] إنَّ هذا المثل التصويري فيه دلالة على صدق التوحيد وفساد الشرك، فإنه -سبحانه وتعالى- جعل الفرق بين التوحيد والشرك كالفرق بين رجل مملوك لعدة أشخاص هم مختلفون فيه، كلّ يريد أن يختص بأكبر حظ منه، وأن يكلّف أقل قدر فيه، وهو في ذاته ضائع بينهم نفسيًّا وماديًّا لا يدري أيهم يطالبه بحقه، فهو ضائع لا محالة وهو لا يحس بأمن في هذه الملكية المتنازعة، وذلك مثل من يعبد آلهة مختلفة تكون نفسه حائة بائرة غير مستقرة ولا مطمئنة، فليست كحالها، مع رجل سلمًا خالصًا لرجل لا يشاكسه أحد فيه، وهو مستقرّ يعرف من يخدمه ومن يعتمد عليه، ومن فوض أمره إليه، وذلك مثل من يعبد الله تعالى وحده، فإن من يعبد الله وحده تطمئن نفسه، ويجد المأوى، ويجد الملجأ والملاذ، وذلك مثل تهتدي به النفوس الشاردة.
إن هذه القصة واقعية، وليس في سياق القول ما يدل على أنها تصويرية، والأصل أن تكون حقيقة، فلا بُدَّ أن أجزاءها قصة واقعة، وليست مجرد مثل تصويري، وهذه القصة معها دليل واقعي على البعث والنشور، وأنَّه في قدرة الله تعالى إعادة الموتى، فمن أنشأ الكون يحيي الموتى، وأننا سنموت كما ننام، ونبعث كما نستيقظ، فهو مثل وقاعي لبيان -كيف يحيي الله الموتى، فقد مات الرجل مائة عام، ثم أحياه الله، ورأى طعامه لم يتغير، ورأى حماره حيّ حسب أنه نام يومًا أو بعض يوم، والله على كل شيء قدير.