كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: ٣٠] اقرأ هذا وارجع البصر فيها كرتين، ألَا ترى فيها توجيه الأذهان إلى عظيم قدرة الله تعالى وقوة سلطانه على الوجود كله، وبيِّن سبحانه كيف اخترع وأبدع على غير مثال سبق، ويثبت بذلك أنه وحده الأحق بالعبادة، وأن القارئ للقرآن من دهماء الناس يرى فيها علمًا بما لم يكن يعلم، قد أدركه بأسهل بيان وأبلغه، ويرى فيها العالم الفيلسوف الباحث في نشأة الكون دقة العلم وإحكامه، وموافقة ما وصل إليه العقل البشري لما جاء بذلك النص الكريم مع سمو البيان وعلوّ الدليل، فتبارك الذي أنزل القرآن.
ثم تدبَّر هذه الآيات البينات تجد أنَّ الأمي يستفيد منها علمًا غزيرًا فوق أنه يعرف منها أن الله -سبحانه وتعالى- سيبعث الناس يوم القيامة، فيزداد إيمانًا، كما علم ما لم يكن يعلم، ويقرؤها العالم بدقائق تكوين الإنسان والدارس للحيوان جرثومة فجنينًا، فحيوانًا على ظهر الأرض حيًّا، فيرى فيها دقة العلم والتكوين، وصدق الحكاية، حتى لقد قرأها بعض كبار الأطباء في أوربا فاعتقد أنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أعظم طبيب رأته الأجيال السابقة، فلمَّا علم أنه كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب آمن بأنَّ هذا من علم الله تعالى بارئ النسم.
وهكذا يرى القارئ لكتاب الله تعالى وما فيه من أدلة أنه قريب من الأمي يفهمه ويعرفه، ويعلم منه علم ما لم يكن علم، يدرك منه ما يناسب معرفته، ويسمو إليه إدراكه، وما يدركه من صدق يقيني لا شبهة فيه.
ويرى فيه العالم الباحث حقائق صادقة ما وصل إيها البحث العلمي الحديث إلَّا بعد تجارب، ومجهودات عقلية، ولما ازداد المتأمل المتبصر في الآيات التي تتعلق بالكون ازداد استبصارًا، ورأى علمًا أسمى مما يدركه الإنسان بتجاربه، وأعلى مما يهتدي إليه الإنسان بعقله المجرد.