ومع هذا القياس نجد الإضمار للمقدمات، وإبراز أوضحها الذي يومئ إلى ما وراءها، فما يضمره من المقدمات هو المختفي المعلوم، والظاهر المكتوم.
السبر والتقسيم:
١٥٧- السبر والتقسيم باب من أبواب الاستدلال الكاشف للحقيقة، الهادي إليها، وهو أيضًا من أبواب الجدل، يتخذه المجادل سبيلًا لإبطال دعوى من يجادله، بأن يذكر أقسام الموضوع الذي يجادل فيه، ويبين أنه ليس في أحد هذه الأقسام خاصة تسوغ قبول الدعوى فيه، فيبطل دعوى الخصم.
ويبيِّن السيوطي وجه الاستدلال فقال:"إن الكفار لما حرموا ذكور الأنعام تارة، وإناثها أخرى، ردَّ الله تعالى عليهم ذلك بطريق السبر والتقسيم، فذكر تعالى: أن الله خلق الخلق مما ذكر زوجين، ذكر وأنثى، ثم جاء تحريم ما ذكرتم عندكم. ما علته؟ لا يخلو إمَّا أن يكون من جهة الذكورة أو الأنوثة، أو اشتمال الرحم الشامل لهما، أولا يدري له علة، وهو التعبدي، بأن يأخذ ذلك عن الله تعالى، والأخذ عن الله تعالى إمَّا بوحي وإرسال رسول أو سماع كلامه ومشاهدة تلقي ذلك عنه، وهو معنى قوله تعالى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} ، فهذه وجوه التحريم، ثم لا تخرج عن واحدة منها، والأول يلزم عليه أن يكون جميع الذكور حرامًا، والثاني يلزم عليه أن يكون جميع الإناث حرامًا، والثالث يلزم عليه تحريم الصنفن معًا، فبطل ما فعلوه من تحريم بعض في حالة، وبعض في حالة؛ لأنَّ العلة على ما ذكر تقتضي إطلاق التحريم والأخذ عن الله بلا واسطة "وحي" باطل، ولم يدعوه، وبواسطة رسول كذلك؛ لأنه لم يأت إليهم رسول قبل النبي -صلى الله عليه وسلم، وإذا بطل جميع ذلك ثبت المدعي وهو أن ما قالوه افتراء على الله تعالى وضلال"١.