للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلاصة الاستدلال على بطلان ما ادعوا من تحريم السائبة والوصيلة، وبعض الماعز والبقر، أنَّ الله تعالى العلي الحكيم ينبههم إلى أنَّ التحريم يكون لوصف ذاتي في هذه المحرمات، أو لتحريم بوحي أو رسول، ثم أخذ يبيِّن سبحانه أنَّه لا يوجد وصف ذاته في هذه الأشياء التي يحرمونها، فذكر سبحانه أنَّ السبب في التحريم إما أن يكون في الذكورة وحدها، أو الأنوثة وحدها، أو فيهما معًا، ولا جائز أن تكون في الأنوثة وحدها؛ لأنكم حرمتم ذكورًا؛ ولأنَّ مقتضى العموم أن تحرم كل أنثى، وكذلك الأمر في الذكورة؛ لأن ذلك يوجب تحريم كل الذكور، وكذلك إذا وصف التحريم ذاتيًّا اختصصتم بالتحريم بعضها دون كلها.

وإذا لم يكن ثمَّة وصف ذاتي اقتضى التحريم، فهل كان نص من رسول، أو وحي، أو من أين جاءكم العلم، لا شيء من هذا، وهذا الجزء الأخير كقوله تعالى في آخر سورة الأنعام: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} [[الأنعام: ١٤٨] .

التمثيل:

١٥٨- التمثيل: أن يقيس المستدلُّ الأمر الذي يدَّعيه على أمر معروف عند من يخاطبه، أو على أمر بدهي لا تنكره العقول، وتقرّ به الأفهام، ويبين الجهة الجامعة بينهما، وأنَّ القرآن الكريم قد سلك هذا المسلك على أدقِّ وجه وأحكمه مقربًا ما بين الحقائق القرآنية، والبدائة العقلية، وكثير من استدلالت البعث فيها تقريب وتمثيل البعث وقدرة الله تعالى عليه بما يرون من إنشاء ذلك الكون البديع، وما خلق به الإنسان وبيان أطواره من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات.

اقرأ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: ٥-٧] .

ونرى من هذا عقد المشابهة بين ابتداء الخلق وإعادته التي لخَّصها الله -سبحانه وتعالى- في قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} ، وفي هذه الآيات الكريمات بَيِّنَ -سبحانه وتعالى

<<  <   >  >>