للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ٢٥٨] .

وإن وسائل أخذ الخصم بأقرب طريق للإفحام والإلزام كثيرة.

أ- منها التحدِّي، كما تحدَّى الله تعالى كفَّار قريش بأن يأتوا بعشر سور من مثله مفتريات، وكما تحدَّى إبراهيم الملك الوثني.

ب- ومنها أخذ الخصم بموجب كلامه، وإثبات أنه عليه وليس له، ومن ذلك قوله تعالى في شأن المنافقين؛ إذ يقول -سبحانه وتعالى- عنهم: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨] فسلم لهم أنَّ الأعز يخرج الأذل، ولكن من هو الأعز؟ لله العزوة ولرسوله وللمؤمنين.

ج- ومنها مجاراة الخصم فيما يقول، ثم التعقيق عليه بما يقلب عليه نتائج قوله، ومن ذلك قوله تعالى حاكيًا عن الرسل مع أقوامهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: ١٠، ١١] .

فترى من هذا النص السامي أن الرسل سلَّموا بالمقدمة التي بنى عليها الأقوام رفضهم، ولكنَّهم نقضوا النتيجة بقولهم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فكأنهم قالوا لهم: ما قلتموه من أننا بشر حق، ولكن ما تريدون أن تبنوا عليه من إثبات أننا لسنا أنبياء باطل؛ لأنَّ الله يمنُّ على من يشاء من عباده، وهو قد مَنَّ علينا، وقدمنا لكم السلطان، أي: الدليل، ولا سلطان لنا إلا ما يأذن الله تعالى.

١٦١- هذه قبسة من نور الذكر الحكيم الذي أضاء الله تعالى به الخليقة لتهتدي الأجيال بهديه، وتسير على ضوئه، وتعشو إليه إذا أظلمت وعمتها الجهالات وتاه الناس في مثارات الشيطان.

وما أردنا بذلك البيان إحصاء لطرق الاستدلال في القرآن، ولا استقصاء لمسالكه في جدله، فدون ذلك تنفق القوى، وينبت الظهر، ويقصر الشأو، ولكن أردنا أن يرى الدارس للقرآن الكريم أمثالًا عن طرق جدل القرآن واستدلالاته، وكيف كانت أعلى من المنطق في دقّته، وإن لم تتقيد بأساليب المناطقة، ولا بأشكال أدلتهم، ففي أدلة القرآن التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب تبعًا لروعة البيان ونسقه وجماله، وليس تبعًا

<<  <   >  >>