للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووضعت الصور والأعلام، ليسيروا على الجادة بعد أن بددت الظلمات، وأذهب ضوء الحق ظلام ما موّه به الخصوم، فمن أبى واستكبر بعد ذلك فهو من الأخسرين، بعد أن أزيلت من أمامه غياهب الباطل.

١٦٠- وعند توجيه الله تعالى نظر المجادل إلى الحقائق من غير اتجاه إلى إلزام من أول الأمر، أو بعد إلزامه وإفهامه يكون تصريف البيان، ومناحي التأثير، وتكون العبارات التي تخاطب العقل والوجدان، وتمسّ مواطن الإحساس، وتتنوع المناهج وتتضافر المعاني، وللألفاظ جدتها وطلاوتها، ومع التكرار أحيانًا تزداد الفائدة، وتكثر الثمرات، وتنوع الأساليب من استفهام إلى تعجب إلى تهديد إلى أخبار، ويختلف الاتجاه إلى مواضع الاستدلال وينابيعه.

أ- فمرَّة يكون الاستدلال بردِّ المسائل إلى أمور بدهية معروفة، كما أشرنا، أو حقائق مشهورة مألوفة يخرّ المجادل أمامها صاغرًا كما ترى من إبطال قول من زعم أن لله -سبحانه وتعالى- ولدًا؛ إذ يقول -سبحانه وتعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠١-١٠٣] .

ألا ترى أن الاستدلال القرآني اتَّجَه إلى بطلان مدعاهم إلى أمر معروف مشهور مألوف لا يماري فيه أحد، وهو أنَّه لو كان له ولد لكان له صاحبة، ولم يدع أحد أن لله تعالى صاحبة، فبطل أن يكون له ولد، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.

ب- وأحيانًا يوجّه نظر الناس إلى المخلوقات، وإلى ما في الكون مما يدل على قدرة الصانع، وعلم المبدع، انظر إلى قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٦٣، ١٦٤] .

وهكذا، وارجع إلى ما قدمنا من مصادر الاستدلال في القرآن الكريم.

ويلاحظ أنَّ القرآن الكريم في الجدال الذي يلزم الخصوم، ويفحمهم، يجيء إلى الإفحام من أقرب الطرق، وأقواها إلزامًا، ومن ذلك ما حكاه الله تعالى عن خليله إبراهيم -عليه السلام- في مجادلة مدَّعي الألوهية، فقد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي

<<  <   >  >>