ولقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن هو حبل الله، والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة من تمسك به، ونجاة من اتبعه، ولا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن رد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات".
وإن هذه الآثار الواردة تدل دلالة قاطعة على أنَّ القرآن حوى علم النبوة كله، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من علم النبوة إلَّا أحصاها، وأنَّ الله -سبحانه وتعالى- ما فرَّط في الكتاب من شيء من علم النبوة، كما قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨] مما يتعلق بالشرائع والأحكام وبيان ما يطلب من المكلف، وما به صلاحه في الدنيا، وثوابه في الآخرة؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، لا يأتيه من بين يديه، ولا من خلفه.
١٦٣- هذا الجواب مبنيّ على ما قرَّره الذين قرأوا القرآن من السلف الصالح، وما نقلوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو بيان إجمالي لعلم القرآن الكريم، مبني على أنه تبليغ النبي -صلى الله عليه وسلم- لرسالة ربه، وأنه التبليغ الخالد إلى يوم القيامة، الذي تخاطب به الأجيال بالرسالة العامة التي تعمّ الإنسانية كلها، ولا تخص عصرًا من عصورها.
ولكن لا بُدَّ من أن نعرض بالذكر ببعض التفصيل لما اشتمل عليه علم القرآن، وهذا هو الجاب الثاني الذي لا يغني فيه الإجمال الكلي عن بعض التفصيل الجزئي.
وإن الذي قرره السلف وأجمعوا عليه أنَّ القرآن الكريم فيه علم النبوة كله، وأن من علمه فقد حوى النبوة بين جنبيه.
وأوّل علوم النبوة علم الغيب، ففي القرآن علم الغيب وبيان الغيب، والغيب هو لب الإيمان، وفيه علم الحاضر الذي يدل على الغيب المستكين، فيه بيان الوحدانية، وبراهينها المستمدة من الكون، واستقامة حاله، والتي يستدل عليها بالآثار القائمة، وبما خلق الله -سبحانه وتعالى.
وإن العلم بمنشئ الكون هو الفطرة الإنسانية التي لا تضل إلا بما يسيطر على العقل من أهواء، وبما يقف دون الإدراك السليم من أوهام، وبما يحيط بالعقل من غيم يمنعه من الفهم السليم، فالقرآن يزيل غياهب الضلال، ويأخذ بالشارد إلى حيث الأمن العقلي.
وإن الفلاسفة يحاولون أن يدركوا المغيب عنهم من حقيقة المنشئ، ومنهم من ضل في سبيل ذلك ضلالًا بعيدًا، ومنهم من قارب، ومنهم من باعد، ولا تجد في