كلام أولئك الفلاسفة ما يهدي للتي هي أقوم، وما كان عجز الفلاسفة عن أن يدركوا الشيء الأول إلَّا في سيطرة أوهام سبقت، عكّرت على الفطرة وضللت العقل، ولنظريات ضالات قد سيطرت عليهم، وهي نظرية الأسباب والمسببات، وتوهموا أنها تنطبق على منشئ الوجود، كما هي ثابتة في العلة بين الموجودات، يتوالد بعضها من بعض، ويكون لكل شيء سبب، وهو سبب لغيره، وهكذا تتتابع الأسباب والمسببات، كل سبب يتبع سببًا، وهو نتيجة لسبب، وتوهَّموا لهذا أن الأشياء نشأت عن منشئ الوجود نشوء المعلول عن علته، والمسبّب عن سببه، وتسلسلوا في الأسباب والمسببّات حتى ضلوا ضلالًا بعيدًا، وجاءت الأديان السماوية موجهة الأنظار إلى الله تعالى خالق السماوات والأرض على غير مثال سبق. وهو المبدع، وهو الفاعل المختار، وهو القادر على كل شيء ولا يخرج عن واسع علمه شيء. ولا عن محيط قدرته خارج، يفعل ما يشاء يختار.
وقرر القرآن تلك الحقيقة التي هي هدف العقول، وأخرجها من تيه الضلال إلى الحق القديم.
وسيقت الأدلة على ذلك من الكون وتنوعه، وأنَّ المقرّر عقلًا أن السبب يكون من جنس المسبب، وزيكون كهيئته لا يختلف عنها، وأنَّ الاختلاف إنما يكون لأمر آخر لا بمجرّد السببية، فيبيّن القرآن الكريم تنوع الأشياء وتنوع الأحوال، اقرأ قوله تعالى:
وإنك ترى من هذه الآيات الكريمة بيان تنوع المخلوقات، ولا شكَّ أن هذا التنوع يتنافى مع كون الأشياء نشأت من المنشئ كما ينشأ المعلول من العلة؛ لأن المعلول يجب أن يكون مماثلًا للعلة غير مختلف عنها، وهنا نجد اختلاف الموجودات من إنسان يتفكر ويتدبر، وحيوان ينعق، وطائر يطير، ومن شمس وقمر يسيران بحسبان.