فكان التنوع الذي ذكره القرآن إبطالًا لما يقرره اللفلاسفة من نظرية العلة والمعلول، والسبب والمسبب.
ضاق بهم مسلكهم، فلم يتصوروا غير ذلك، ولو نظروا إلى الكون وما يجري فيه من أحوال، لأدركوا بفطرتهم المستقيمة أنَّ المنشئ واحد أحد ليس بوالد ولا ولد، ولآمنوا بقوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}[الأنعام: ١٠١] واقرأ قوله تعالى في التعريف بالذات الإلهية:
انظر إلى تعريف الذات العلية، وما تنشئه في هذا الوجود، وإنَّ هذا يدل على الفاعل المختار دلالة قاطعة بتنوعه، واختلاف مظاهره، ونوع حياته، ألا تراه يسقى بماء واحد، وغذاؤه واحد، ومع ذلك تتنوع أنواعه، وتختلف أجزاؤه مما يدل على أنه نشأ بغير العلية، بل بإرادة مختارة حكيمة تفعل ما تريد، والله يخلق ما يشاء ويختار.
وإن القارئ للقرآن الحكيم يرى فيه قدرة الذات العلية، وإرادتها الخلق، والعقل لا يقبل غير ما جاء فيه، وما يسكله الفلاسفة من أوهام بالنسبة للسببية، يؤدي إلى التسلسل إلى ما لا نهاية، فإذا كان الموجود نشأ من موجود، فمم نشأ الموجود السابق، والسابق على السابق، ويتأدَّى إلى ما يستحيل العقل تصوره، وإذا كان هناك موجود تنتهي عنده السلسلة، فلماذا يفرض أنه الإله، ويفرض أنه وجد ما بعده من إرادته، لا بالعلية؟ واقرأ الآيات القرآنية في إثبات الوحدانية في الذات والصفات، وفي