ونظامها، ولأنَّها متصلة بالرضا والغضب بين الزوجين والأقارب، فكان لا بُدَّ من ميزان مقرر ثابت بحكم الأهواء، ويضع الأمور في مواضعها.
وإن أحكام الأسرة مؤثرة في المجتمع وموجهة له؛ لأن الأسرة هي دعامة البناء الاجتماعي يضطرب باضطرابها، ويقوى بقوتها، ولأنَّ الإسلام جاء لإقامة مجتمع فاضل تربطه المحبة، وتوثق روابطه المودة، كانت عنايته بأحكام الأسرة، وأن تكون مستقرة يتصل فيها ماضي الأمة بحاضرها.
ومن الناس من ظنوا أنهم يستطيعون إقامة بناء صالح للأسرة من غير أن يتقيدوا بألأحكام القرآن الكريم باسم ما يسمونه "تطور الزمان" يقلبون فيه الأوضاع، فتضطرب الموازين، ومن الناس من يبالغون في إعطاء المرأة حقوقًا لا تقتضيها فطرتها، ولا النظام الاجتماعي، ويحسبون أنهم يسيرون بالجماعة إلى الإمام، وهم يرجعون بها إلى الوراء، حيث تفسد الطبائع وتخالف الفطرة.
ولقد يقول بعض علماء الاجتماع: إنَّ النشأة الأولى في جاهلية الإنسان كان فيها السلطان على الأولاد للمرأة كأنثى الحيوان، أو أكثره، حتى إذا عرف البيت، وانتظمت العلاقة بين الرجل والمرأة، وكان لكل واحد منهما ما هيأته الفطرة له، فالمرأة ترأم الأولاد، وتقوم على رعايتهم، والأب يكدح ويعمل ليوفر لهم الرزق.
والآن يحاولون أن يقلبوا الأمور، ويضعوها في غير مواضعها، حتى لقد قال بعض المفكرين: إننا لو سرنا خطوات بعد ما ابتدأنا السير فيه وأوغلنا، فستعود الأمور إلى سيطرة المرأة على البيت، ويكون الرجل غير مستقر في بيت، ويكون نظام المسافدة.
من أجل هذا فيما ندرك وعلى قدر إدراكنا نص الكريم على أحكام الأسرة بالتفصيل، حتى لا يتهجّم المنحرفون ليشرِّعوا لأنفسهم ما لم يشرِّع الله ويفسدوا الفطرة.
ولقد كان -سبحانه وتعالى- بعد ذكر بعض أحكامها يقول -جل شأنه:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ ِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[النساء: ١٣] ، ومن ذلك قوله تعالى بعد بيان المواريث:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النساء: ١٧٦] .
١٩٠- وأحكام الأسرة التي تعرض لها القرآن تبتدئ من وقت إنشاء الزواج أو التفكير فيه، فأوجب الإعلان في الزواج، فقال تعالى:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[البقرة: ٢٣٥] .