١٨٩- قبل أن نتلو الآيات الكريمة التي تصدَّت لأحكام الأسرة وتنظيم العلاقات بين آحادها، أو نشير إلى بعض تلك الآيات الكريمة، لا بُدَّ أن ننبه إلى أمرين:
أولهما: ما ذكرناه آنفًا من أنَّ العبادات قد ذكرت في القرآن إجمالًا، وترك أمر بيانها للنبي -صلى الله تعالى عليه وسلم، وأشرنا إلى ما أدركنا حكمته لعلم الله تعالى في شرعه وبيان أحكامه.
الأمر الثاني: أن الأسرة ذكرت أحكامها تفصيلًا من وقت تكوينها بعقد الزواج، إلى أن يقرر الله تعالى التفريق بالموت أو الطلاق، وذكر أحكام الأسرة الممتدة غير المقصوة على الزوجين، وما بينته السنة لا يعد كثيرًا بالنسبة لما بينه القرآن الكريم.
ثم ذكر القرآن الكريم توزيع المال في آحاد الأسرة، وفي الميراث، ويكاد القرآن الكريم يستغرق كل أحكامه في تفصيل لا إجمال فيه.
وهنا يسأل السائل، لماذا كان التفصيل في أحكام الأسرة، ولم يترك أمرها لبيان النبي -عليه الصلاة والسلام- فقط، ونقول في الجواب عن ذلك: إنَّ هذه حكمة علَّام الغيوب، وإننا نلتمس معرفة بعض هذه الحكمة، راجين ألَّا نكون داخلين في النهي في قوله تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا}[الإسراء: ٣٦] .
وإن هذا بلا ريب من عناية القرآن الكريم بالأسرة؛ إذ جاء النص على أحكامها بآيات محكمة، وإذا كانت عناية الإسلام بالعبادات جعلت أحكامها عملية يتولَّاها النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم؛ لتربي النفوس عليها بالدرية والتهذيب لا بمجرد التلقين، فعناية الإسلام بالأسرة كانت بالنصِّ الكامل على نظامها، لكيلا ينحرف الناس بأهوائهم عنها، وليكلا ينكروا تطبيقها، ويجعلوا لعقولهم سبيلًا للتحكم في أموالها،